يحكى همسا عن استعدادات خليجية لاحتضان مؤتمر يضم أطياف المعارضة السورية السياسية والمسلحة كافة ويوحدها تحت مظلة قطب واحد قادر على التفاوض في جنيف 3، وإخراج السوريين من عنق الزجاجة الملتهبة الذي حشرهم فيه تعنت النظام السوري وتواطؤ إيران وروسيا وتخاذل أوباما الضعيف وقرارات حكماء صهيون.

الخبر الذي تداوله السوريون كبارقة أمل تبشر بقشة للغريق؛ تزامن مع تغيرات في المشهد اللوجستي السوري لصالح الكتائب المعارضة المسيطرة مؤخرا على معبر نصيب وإدلب وجسر الشغور، لا سيما ما عرف منها بجيش الفتح، هذا التقدم للمعارضة لا يمكن فصله إطلاقا عن تداعيات عاصفة الحزم، المأثرة العربية التي حققت أهدافها مرحليا بحماية أمنها عبر إضعاف خطر العبث الإيراني على حدودها، والدفع باتجاه عملية سياسية تحمي اليمن من حرب أهلية، وإشغال اللاعب الإيراني عن عبثه في دمشق أيضا. ولعل نتائج العاصفة بدت واضحة ظاهريا في المعترك السوري أكثر منه في اليمني إلا أن نظرية الأواني المستطرقة تصلح في العرف السياسي كمرتكز حقيقي لتفسير هذا التفاعل بين الساحتين وإن تأخر سيلان الماء في الاتجاه المعاكس قليلا، وسنشهد جميعا تداعيات هذا الاستقطاب العربي على الصعد كافة فيما لو فهم العرب الدرس وأسسوا لعواصف رزينة أخرى، تقطع رؤوس الأفاعي السامة.

ما المطلوب إذا؟ هل يكفي أن تقف دول الخليج ومصر كقوتين كبيرتين في وجه الإرهاب الإيراني والداعشي عبر أعمال عسكرية مباشرة كتلك التي أنجزتها عاصفة الحزم؟ قطعا لا، فرأس الأفعى الفارسية يختبئ في دمشق حتى لو ظهر ذنبه في صنعاء، كما تختبئ الرؤوس الكثيرة للأفعى الداعشية في طهران وواشنطن والتربة الاستبدادية المتطرفة عنفا للأنظمة العربية، فيما تلعب أذنابها الكثيرة في أكثر من مكان، ما يجعل الحديث عن أعمال عسكرية قادمة تفتك بالأذناب ضربا من العبثية في حال تركت الرؤوس حرة طليقة.

لقد عرت الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة مكامن القوة والضعف في البنية العربية، وكشفت الحاجة الماسة إلى حلف عربي - عربي ينظم ملامح المنطقة التائهة بين مخططات فارس و"داعش" وإسرائيل وإرهاصات المشروع العربي الديموقراطي المتعثر، كما فضحت ضعف هذه الأطراف وهشاشتها أمام العمل العربي المشترك والواعي، وأظهرت الآثار الوخيمة لضعف المعارضة السورية المسلحة والمعتدلة على المشهد الإقليمي، تلك التي كانت ستشكل ورقة ضغط كبيرة على إيران في اليمن لو تم العمل عليها كما ينبغي.

أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا، وأن تعي دول الخليج العربي خطورة المشهد الداخلي السوري على مصير المنطقة برمتها أمر مبشر، إن تم الاشتغال عليه بحنكة وحزم.

عاصفة الحزم كانت أول الغيث، تاليه المؤتمر المرتقب والدعم للكتائب المعتدلة وثالثه الاتفاق السعودي القطري التركي الذي من شأنه أن يوحد الجهود المبعثرة على الأرض السورية، وأن يدعم الجيش الحر في حربه المستمرة ضد النظام وضد القوى المتطرفة في الوقت نفسه.

المهمة عسيرة لكنها ليست مستحيلة، يوسع فرص نجاحها الدعم العربي للمعارضة عسكريا ودبلوماسيا، للضغط على نظام متهالك سيضطر إلى الذهاب منهكا وصاغرا إلى جنيف 3 كي يفاوض على تسليم السلطة إلى المعارضة بدل أن يفرض حلولا التوائية تمنحه جرعات أوكسجين إضافية وتبث الدماء في عروقه المهترئة من جديد.

السؤال الأهم: هل من الممكن أن يتفق العرب وعلى رأسهم مصر على الفعل؟

نعم، لأن المصلحة المصرية تقتضي ذلك كما تقتضيها المصالح العربية، مصر "السيسي" المنهكة اقتصاديا وسياسيا إثر نزاعاتها الداخلية وشهوة الإخوان المسلمين للحكم لن تتخلى عن حليف وداعم قوي كدول الخليج، في حال اتفقت الأخيرة على رؤية مشتركة وخط سير واضح وشديد الحسم، كما أنها لن تغامر مرة أخرى باحتمال وصول التهديد الإيراني إلى مضيق باب المندب ذي الخصوصية الاستراتيجية والاقتصادية لديها.

معاهدة لوزان وما سينجم عنها في حال سمح لإيران بأن تكون "عتبة نووية" يشكل ورقة ضغط جديدة بيد الدول الخليجية، وأيضا الاقتصاد الإيراني المتدهور نتيجة العقوبات القديمة ودعم النظام السوري على مدى سنوات يشكل ورقة إضافية يضاف إليها انهيار الاقتصاد السوري وارتباك الاقتصاد الروسي المثقل بتبعات حرب النفط الباردة.

ماذا عن أميركا؟ هل هي مستعدة لخسارة حليفها العربي والإسلامي المعتدل في المنطقة لصالح إيران وخوض معركة أزلية مع قوى ظلامية متطرفة تتغذى على إحساس الشباب المسلم بالقهر والظلم فتفرخ بذورها في سورية الأرض المفتوحة لحروب بالوكالة، وأيضا الشاهد الأكثر سوءا على التعامي الأميركي عن جرائم النظام بحق السوريين وقبله جرائم الإسرائيليين بحق الفلسطينيين؟ حيث إنه ليس ممكن ولا منطقي حصر التطرف في سورية كما تأمل الإدارة الأميركية، فالموضوع خرج عن السيطرة ومن الممكن أن ينتقل إلى أراضيها إن لم تساند الدول العربية في حربها ضد الإرهاب، البعبع الذي أطلقته هي قبل أن يتغول وينقلب ضدها كما ينقلب السحر على الساحر.

من أبرز مهام الثقل العربي المستعاد دحض فرضية الحرب الشيعية السنية التي تفرغ أي خطة عربية قادمة من محتواها المأمول، فلا أشهى بالنسبة لفارس وإسرائيل و"داعش" من طبق الطائفية والمذهبية والفتن الداخلية، الداعم الأزلي للمشاريع التوسعية التقسيمية، عبر تقسيم المقسم والإيحاء بضرورة وجودها كقوى تحمي أمن وتوازن المنطقة من صراعات محتملة، وهي الفكرة التي بنيت عليها نظرية "الهلال الشيعي"، ويتوجب على الحكومات العربية أن تعي خطورة ما يحاك خلف الستار وأن تفعل خطابا عربيا واضحا في وجه أي خطاب طائفي قبلي، خطاب ينحاز لمطالب الشعوب المحقة في وجه المستبدين بها دون أن ينحاز للعصبيات الضيقة والرجعية، وبلا شك دون أن ينسى أن الاستبداد والتطرف صنوان لا حياة لأحدهما دون الأخر، فلنبدأ برسم استراتيجياتنا القادمة ولنسع إلى قطع رؤوس الأفاعي بالوعي والعروبة والعدل قبل الرصاصة، عدونا رؤوسه وَلَادة وستبقى تفرخ، إن لم نصنع مصلنا المضاد لسمها.