في الأسبوع الماضي، برأت حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية وقوات الدفاع الإسرائيلية نفسيهما من ارتكاب أي مخالفات في الحرب على غزة التي اندلعت في الفترة من 7 يوليو إلى 26 أغسطس 2014، وأكدت أنها كانت "مشروعة" وفق تفسيرهم للقانون الدولي. وأصدرت الحكومة الإسرائيلية تقريرا لتبرئة "دولة إسرائيل" من 277 صفحة، بعنوان "المواجهة ضد غزة 2014: الجوانب الواقعية والقانونية"، وهو ما يعني التبرئة.

ليس هناك أي سر لماذا كتبت إسرائيل هذا التقرير: طالما أن "دولة نتنياهو-نفتالي بينيت اليهودية" أصبحت منبوذة دوليا بسبب احتلالها فلسطين، والمعاملة الوحشية للمواطنين الفلسطينيين، التي شملت عددا هائلاً من الضحايا المدنيين، بما في ذلك الأطفال، خصوصا خلال الحربين الرئيستين في غزة: "عملية الجرف الصامد" في 2014 و"عملية الرصاص المصبوب" في الفترة 2008-2009. ولقد كان الغرض من تقرير إسرائيل الخاص استباق تأثير تقرير يصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتفويض من الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، من المقرر إصداره قريبا.

ثانيا، إن إسرائيل بدأت تخشى من تأثير متزايد من حملة "مقاطعة البضائع الإسرائيلية"، و"تحريم" التعامل مع الشركات الإسرائيلية والشركات العالمية التابعة. و"معاقبة" إسرائيل بمختلف الوسائل. نشأت "حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية" غير عنيفة، لكنها فاعلة للغاية، كرد فعل على الاحتلال الإسرائيلي، وعلى قصف الجيش الذي ضرب المدارس والمخابز وتجمعات الأطفال الذين يلعبون في الشاطئ، ومرافق اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. لقد أتت هذه الحملة على غرار العديد من التكتيكات التي شنتها حملة "مقاطعة البضائع ضد حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا" في الثمانينات، حيث كانت تحت حُكم البيض فقط، وهي الدولة الأكثر ازدهارا في قارة أفريقيا.

لقد أصبحت حملة المقاطعة تهدد سمعة إسرائيل ورفاهية اقتصادها، ما أدى في الآونة الأخيرة إلى أن يعقد اثنان من مليارديرات الصهاينة الأميركيين -شيلدون أديلسون وحاييم سابان- مؤتمرا لإنقاذ إسرائيل في لاس فيجاس (مقر إمبراطورية كازينوهات أديلسون الضخمة) وتعهدا فيه بدفع 20 مليون دولار مساعدة  للجماعات التي تعمل على كسر مقاطعة إسرائيل.

لا شك، أن أديلسون ونتنياهو، والمتطرفين الصهاينة الآخرين يشعرون بالقلق من أن مقاطعة بضائع جنوب أفريقيا العنصرية التي غيَّرت جنوب أفريقيا إلى الأبد، كثيرا ما يستشهد بها كنموذج لحل "الدولتين"، أي إقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، وهو الحل الذي تعرَّض للخيانة في كثير من الأحيان من قبل آخر رئيسين أميركيين، جورج بوش وباراك أوباما. وبالنسبة لإسرائيل وفلسطين، يعتقد أنه إذا كانت لدى جميع الفلسطينيين، سواء داخل الخط الأخضر أو في الأراضي المحتلة، حقوق تصويت كاملة في انتخابات ديموقراطية حقيقية، فستكون النتيجة أغلبية فلسطينية في المنطقة... سيكون ذلك -النموذج الديموقراطي في جنوب أفريقيا كبديل للفلسطينيين - موضوع مقال آخر في المستقبل.

في الوقت الراهن، من الأهمية بمكان فضح ألاعيب الدعاية التي تستخدمها إسرائيل وحماتها لـ"تبييض" جرائمها في غزة. وهذا يقودنا إلى "أبناء بكر الأربعة"، على حد تعبير الصحفي الأميركي ديفيد زيرين، الذي كتب في صحيفة "ذا نيشن" يوم 21 يوليو 2014، قائلا "بينما كان محمد رامز بكر (11 عاما)، وعاهد عاطف بكر (10 أعوام)، وزكريا عاهد بكر (10 أعوام) أيضا، وإسماعيل محمد بكر (9 أعوام)، يلعبون جميعا على الشاطئ في محيط مألوف لممارسة ألعابهم، شنت قوات الجيش الإسرائيلي غاراتها الجوية عليهم. القذيفة الأولى جعلتهم يهربون خوفا، ثم لاحقتهم القذيفة الثانية فأودت بحياتهم. وقد أفاد شهود عيان، سواء في مقابلات الفيديو أو الصحافة المطبوعة، بأن الغارات الجوية كانت متكررة، حيث إن ثلاثة من الإخوة قتلوا في هذه الغارات الجوية التي كانت قذائفها تتابعهم عندما كانوا يحاولون الهرب من الشاطئ حين قُتل شقيقهم.

في 11 يونيو الحالي، أصدر الجيش الإسرائيلي إعلانا مفاده: أن الحكومة أغلقت التحقيق الجنائي "المكثف" في "قضية أبناء بكر الأربعة"، رغم أنها وصفت الحادث بأنه "حادث مأساوي". وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أنه "بعد مراجعة نتائج التحقيق، وجد المحامي العام العسكري الإسرائيلي، داني إفروني، أن العملية المستخدمة في الهجوم تتفق مع القانون المحلي الإسرائيلي ومتطلبات القانون الدولي".

تبدو هناك مشاكل خطيرة تتعلق بإجراء إغلاق الجيش الإسرائيلي القضية قبل إجراء مقابلات المحققين مع جميع الشهود على الحادث. فلقد كتب مراسل الجارديان بيتر بومونت، يقول في الوقت الذي قُتل فيه "أبناء بكر الأربعة"، كانت المؤسسات الإعلامية الدولية، بما في ذلك الجارديان ونيويورك تايمز، قد شهدت الأحداث. وهؤلاء الشهود، بما في ذلك بومونت نفسه، لم يجر تحقيق معهم كشهود عيان قبل إغلاق القضية.

إن إسقاط تحقيق جنائي في قتل هؤلاء الصبية الصغار لا يتسق مع أقل ما يمكن أن توصف به إجراءات تحقيق جيش الدفاع الإسرائيلي والتحقيق الذاتي الإسرائيلي. لقد كان من بين قتلى "عملية الجرف الصامد" العسكرية 369 طفلا دون سن 15 عاما (16? من مجموع الوفيات)، و284 امرأة (هي الأرقام التي وردت في تقرير إسرائيل والتي لم يتم التحقق فيها فإنها تُعد منخفضة جدا). 

يقول التقرير الإسرائيلي:

"كما هو الحال في جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية، فإن جميع صراعات قطاع غزة في 2014 قد نفذتها القوات الإسرائيلية وفقا لقانون النزاعات المسلحة، الذي لا يمنع وقوع الضرر العرضي للمدنيين والممتلكات المدنية. ولكن، بموجب القانون الدولي العرفي، فإن هذا المبدأ يحظر الهجمات التي يمكن أن تسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابات في صفوفهم، أو أضرارا بالأهداف المدنية، أو أن يحدث خلط من شأنه أن يكون مفرطا، مقارنة بالفائدة العسكرية المتوقعة". 

وتدعي الحكومة الإسرائيلية أن أيا من تلك الهجمات لم تكن "مفرطة".

 لقد روى الصحفيون والناشطون في مجال حقوق الإنسان وشهود عيان فلسطينيون قصة مختلفة عن قتل "أبناء بكر الأربعة". ففي العديد من الحالات التي يمكن استعراضها، فإنه لا توجد وسيلة للخطأ من أن الأطفال الذين كانوا يلعبون في الشاطئ المعزول، ويرتدون ملابس الصيف يمكن أن يكونوا إرهابيين. إن غطرسة حكومة نتنياهو في الترويج لتبرئتها لن يؤدي إلا إلى المزيد من الإجراءات الدولية ضد إسرائيل عبر حركة مقاطعة بضائعها والمزيد من الاعتراف بدولة فلسطين، سواء وافقت إسرائيل أم لم توافق.

أما محمد بكر، والد القتلى الأربعة، فإنه قال للصحفيين "ليس هناك عدالة في التحقيق داخل إسرائيل". وبدلا من ذلك الصحافة، فنحن نعول على المحكمة الجنائية الدولية ومنظمة حقوق الإنسان الدولية. نحن لسنا خائفين، وإننا واثقون من الفوز، لأن العالم يقف بجانبنا".