في 18 يونيو الحالي، التقى ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سانت بطرسبرج، في ما وصفته الصحافة الروسية بأنه "واحد من أكثر اللقاءات المنتظرة" التي عقدها الرئيس بوتين خلال أسبوع منتدى سانت بطرسبرج الاقتصادي الدولي الذي ضم 7000 مشارك يمثلون أغلبية دول العالم والشركات الرائدة من جميع القارات. وشهد هذا اللقاء التاريخي بين المملكة والكرملين توقيع الزعيمين اتفاقيات اقتصادية في ستة مجالات على الأقل، تشمل بناء محطة لعمليات الطاقة النووية للأغراض السلمية، وإنشاء مجموعة عمل مشتركة في مشاريع الطاقة في مجال النفط والغاز الطبيعي. وتم توقيع ما لا تقل قيمته عن 10 مليارات دولار في خطط واتفاقيات اقتصادية بين مختلف الوكالات الروسية والسعودية.

وبالتأكيد إن الخطة الأكثر تطلعا بين هذه الخطط هي اتفاقية التعاون في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية، التي وقعها كل من المدير العام لشركة "روساتوم" الحكومية للطاقة النووية، سيرجي كيريينكو، ورئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والطاقة المتجددة، الدكتور هاشم عبدالله يماني. ووفقا لبيان صحفي صادر عن روساتوم، فإنه لأول مرة في تاريخ العلاقات الروسية السعودية، يتم توقيع مثل هذه الاتفاقية التي توفر أساسا قانونيا للتعاون بين البلدين في مجموعة واسعة من المجالات، من بينها إنشاء واستخدام وتفكيك المفاعلات النووية المخصصة لإنتاج الطاقة والأبحاث العلمية، وتقديم الخدمات المتعلقة بمعالجة الوقود النووي المستنفد، وإنتاج النظائر المشعة واستخدامها في الصناعة والطب والزراعة، وتأهيل الكوادر في مجال الطاقة النووية. وتتناول الخطط أيضا مشاريع بحثية محددة وتبادل الخبراء في مجال العلوم والتكنولوجيا.

كان هنالك أكثر من مجرد عقد صفقات بين البلدين، حيث نقل الأمير محمد بن سلمان دعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز للرئيس فلاديمير بوتين لزيارة الرياض، وأكد بوتين قبولها على الفور. ومن جانبه، قدَّم الرئيس بوتين الدعوة للملك سلمان لزيارة روسيا، وتم قبول الدعوة باسم الملك. وبمناسبة الدعوة، قال الأمير محمد للرئيس بوتين "يشرفني أن أقدم لمقامكم الدعوة لزيارة المملكة العربية السعودية، لأننا نعتبر روسيا واحدة من الدول المهمة في العالم المعاصر، وكانت تربطنا بها علاقات لها جذور في الماضي". وعلى الرغم من أن العلاقات بين موسكو والرياض لم تكن دائما وثيقة خلال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إلا أن الاتحاد السوفيتي كان أول دولة في العالم تعترف بالمملكة العربية السعودية.

ومع ذلك، فإن مستقبل العلاقات والتعاون بين البلدين ربما تواجهه بعض الصعوبات المحتملة التي وإن لم تكن تنبع من القضايا الثنائية، إلا أنها قد تنتج من الصراعات الإقليمية، وربما العالمية. ففي الشرق الأوسط مثلا، هناك مسألة القتال في سورية واليمن، ولكن المختصين الأميركيين في شؤون الشرق الأوسط يشيرون إلى أن التعاون بين روسيا والسعودية يُمكن أن يفتح آفاقا جديدة في التوصل إلى حلول عن طريق التفاوض. وفي المجال الأوروبي، هناك العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. وفي المجال العسكري، يقود حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة الحشد العسكري في أوروبا الشرقية التي تحوَّلت إلى سباق تسلح واسع النطاق وإلى "حرب باردة جديدة".

أما في عالم المال والاقتصاد، فهناك اضطراب كلي في أوروبا بسبب الأزمة اليونانية. فبعد الانهيار الاقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة في الفترة 2007-2008، شهدت اليونان أيضا أزمة اقتصادية طويلة الأمد وأصيب اليونانيون باكتئاب مدمر بسبب البطالة والفقر المدقع. ولكن في هذا العام، انتخب اليونانيون حكومة جديدة اهتمت بتحسين الحالة المعيشية، والصحة، واحتياجات رفاهية المواطنين، قبل تسديد ديونها للبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي التي أقرها البرلمان اليوناني في الآونة الأخيرة ولقد كان ذلك تحقيقا برلمانيا غير قانوني في المقام الأول.

وعلى الرغم من كل الصعوبات المحتملة في العلاقات الروسية السعودية، فإنه من المستحيل تجاهل حقيقة فشل قيادة واشنطن في وضع حد لتفاقم المشاكل الراهنة، ولا يمكن أن ننكر أن معسكر "كامب ديفيد" التي تم الترويج له كثيرا في واشنطن ودول الخليج، لم ينجز إلا القليل جدا لدول مجلس التعاون الخليجي، وربما لم ينجز شيئا في مجال الاقتصاد بوجه خاص.

وبالتالي، فإن اللقاء التاريخي الذي تم بين كبار مسؤولي المملكة العربية السعودية وروسيا في سانت بطرسبرج، سيرفع من مستوى العلاقات بين البلدين إلى إمكانية دمج السعودية ودول الخليج، بل والشرق الأوسط بأسره، في المشروع الاستراتيجي الكبير، الذي هو مشروع مشترك من قبل روسيا والصين، لإنشاء منطقة تنمية اقتصادية تمتد من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي، وإنشاء حزام أرضي للتنمية، يصفه الرئيس الصيني شي جين بينج بسياسة "حزام واحد/ طريق واحد".

وتحمل زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو إمكانية انضمام السعودية إلى روسيا والصين في شبكة من المنظمات الإقليمية وصناديق الاستثمار في البنية التحتية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون SCO، وبلدان بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، وبنك التنمية الجديد NDB المكون من "البريكس"، والاتحاد "الأوراسي" الاقتصادي، وسياسة الرئيس الصيني شي جين بينج من "طريق الحرير الجديد" و"طريق الحرير البحري الجديد". إن منطقة الخليج العربي هي الطريق المتبادل بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وعلى هذا النحو، هي محور النقل، فضلا عن محرك الطاقة لجزء كبير من اقتصاد في العالم.

وليس من قبيل الصدفة أن تأتي رؤية التحول شرقا، في كلمة "بلاغية" ألقاها رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس، في منتدى سانت بطرسبرج، حيث قال "لماذا أنا هنا، وليس في بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي)؟ أنا هنا لأنني أعتقد أن (روسيا) لها دور كبير وهام لتأديته". وقال: "العالم يختلف عما كان عليه من قبل. نحن في أوروبا كان لدينا وهم لفترة طويلة من الزمن بأننا مثل "صرة الأرض" بالمعنى الحرفي، مثل مركز العالم ونواصل النظر والتعويل فقط على محيطنا القريب المباشر". مضيفا: "ومع ذلك مركز الكوكب الاقتصادي قد انتقل، غادر هذا المكان لأن قوى ناشئة جديدة تلعب دورا مهما متزايدا على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي".

هذا هو الرأي القائل إن المزيد والمزيد من البلدان تأتي للمشاركة، وإن الانفتاح السعودي الروسي له آثار دراماتيكية - إيجابية -على مستقبل دول الخليج وإقليم شرق البحر المتوسط بأسره. لقد كان الحوار في سانت بطرسبرج بداية، ولذلك فمن السابق لأوانه استخلاص أي استنتاجات تتسم بالمبالغة، لكن الآثار الدراماتيكية للتعاون بين روسيا والسعودية لا يمكن في الوقت نفسه الاستهانة بها.