كتبت الأسبوع الماضي عن جوائز الطيران العالمية التي منحتها منظمة سكايتراكس Skytrax المعنية بمراقبة الجودة في قطاع الطيران على مستوى العالم. وأشرتُ حينها إلى صعود نجم عدد من الخطوط الخليجية والآسيوية التي احتلت المراكز العشرة الأولى في تقييم المنظمة لمئة خطوط عالمية، وإلى تعثر حظ كثير من الخطوط المعروفة في أوروبا وأميركا والعالم العربي، وكذلك الخطوط السعودية.

تم الإعلان عن تلك الجوائز في "معرض باريس للطيران" الحادي والخمسين، المعرض العريق الذي بدأ أعماله في العاصمة الفرنسية في 15 يونيو 2015، ولذلك كان لنشر التقييم صدى كبير قد ينعكس سلبا على الخطوط التي لم يكن حظها جيدا هذا العام. وحسب هذا التقييم القائم على استطلاع آراء الركاب احتلت شركات الطيران الخليجية الجديدة والآسيوية المراكز العشرة الأولى، في حين اختفت الشركات القديمة، مثل الخطوط السعودية، والأوروبية والأميركية من المراكز الأولى.

فحصلت شركة الطيران القطرية على المركز الأول كأفضل شركة طيران في العالم، بعد أن كانت في المركز الثاني في 2014، واحتلت طيران الإمارات المركز الخامس، مقارنة بمركزها الرابع العام الماضي، أما طيران الاتحاد فقد قفزت إلى المركز السادس، بعد أن كانت في المركز التاسع في 2014.

واحتلت الخطوط الآسيوية بقية المراكز العشرة الأولى، فحلّت السنغافورية في المركز الثاني، ونزلت كاثاي باسيفيك (هونغ كونغ) من المركز الأول إلى الثالث، واحتلت التركية المركز الرابع، واحتلت خطوط (أنا أول نيبون) اليابانيةُ المركز السابع، وحلت خطوط (جاردوا) الإندونيسية في المركز الثامن، في حين أخذت خطوط (إيفا أير) التايوانية المركز التاسع.

وأكتب اليوم عن الخطوط السعودية على وجه الخصوص، التي نزلت من مركزها المتأخر نسبيا (77) في 2014، إلى مركز أكثر تأخرا (84) في 2015. فعلى أي أساس وضعتها منظمة (سكايتراكس) في هذه المنزلة؟ وكيف يمكن لها أن تتجاوز هذا التصنيف والسمعة التي لصقت بهذه الخطوط العريقة التي بلغت السبعين من عمرها هذا العام؟

يتضمن موقع المنظمة الحيثيات لتصنيف الخطوط السعودية في المركز (84)، في مجالات خمسة: الخدمة وعلاقات الموظفين بالركاب، راحة المقاعد، الأكل، برامج التسلية على الطائرة، القيمة (التناسب بين السعر والخدمة). وفي كل هذه المعايير الخمسة، كان أداء السعودية في حدود 60% في المتوسط. ويشمل التقييم الخدمات الجوية والخدمات الأرضية، بما في ذلك درجة الرضا عن صالات الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال.

يتعلق عدد كبير من الشكاوى بممارسات سلبية لموظفي الخطوط السعودية، وموظفي الشركات التي تتعامل معها الخطوط السعودية في المطارات الخارجية، سواء من ناحية قدراتهم الفنية، أو المرونة في التعامل مع المستجدات والظروف الطارئة، أو أسلوب التعامل والخطاب. وينطبق الأمر نفسه على خدمات المضيفين والمضيفات، حسب هذه الشكاوى.

ويتعلق عدد آخر من الشكاوى بتدنّي مستوى الطائرات العاملة على بعض الخطوط، سواء فيما يتعلق بقدم موديلاتها، أو تعطل تجهيزاتها، أوعدم راحة المقاعد، بما في ذلك الحالات التي تكون فيه المقاعد مكسورة ودورات المياه متعطلة.

ويشتكي البعض من نظام الحجز، حيث يفقد بعض الركات حجوزات مؤكدة مدفوعة الثمن، ولا يوجد نظام للتعامل السريع مع مثل هذه الحالات، بإعطائهم أولوية في الرحلات اللاحقة، كما لا يوجد نظام مرن لتعويض المتضررين، أو رد المبالغ التي دفعوها. ويشتكي البعض من الأكل الذي يُقدم على الطائرات، سواء من ناحية التنوع أو افتقاره إلى القيمة الغذائية وعدم الاهتمام بالنواحي الصحية، وعدم توفير وجبات خاصة للمرضى والأطفال، حتى عندما يتم حجزها مسبقا.

ومن الملاحظات التي تكررت كثيرا اهتمام المضيفين بأنفسهم وأحاديثهم الجانبية فوق اهتمامهم بالركاب. وورد في إحدى الشكاوى أن المضيفين نقلوا عددا من الركاب من أماكنهم المخصصة لهم لتوفير مكان لنوم المضيفين خلال الرحلة، وفي شكوى أخرى أن المضيفين ضيقوا على أسرة لديها طفل رضيع، بهدف نقل أحد زملائهم وأسرته من الدرجة السياحية إلى درجة رجال الأعمال، وعلق الكثيرون على اللغة المتعالية التي يستخدمها المضيفون تجاه الركاب.

وتتركز بعض الشكاوى على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا تصل كراسيهم المتحركة لنقلهم من وإلى الطائرة، والتعامل مع العائلات والأطفال الصغار، الذين لا يُمنحون أولوية في الصعود إلى الطائرة، ولا يمنحون العناية الخاصة التي تحرص الخطوط العالمية الجديدة على توفيرها للأسر وذوي الاحتياجات الخاصة.

ويشير بعض الركاب إلى عدم توفير الخدمات الخاصة لركاب الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال، مثل توفير مسارات خاصة لهم للتفتيش والجوازات وصعود الطائرة، أو توفير باصات خاصة لنقلهم من وإلى الطائرة.

ومن الواضح أن هذه الشكاوى، وهي من ركاب اختاروا الخطوط السعودية ووضعوا ثقتهم فيها، تدلّ على أن ثمة مجالا واسعا لتحسين خدماتها. وقد يقول البعض إن تغيير نمط الخدمة غير ممكن، لأن الشركة بدأت وما زالت تعمل كقطاع حكومي، ليس هدفه كسب رضا العملاء أو زيادة عدد الركاب، بل يتركز على إنجاز المهمة في أسرع وقت ممكن و"التخلص" من العميل وتصريفه، دون التفكير في مدى تأثير ذلك على علاقته المستقبلية مع الشركة. وللسبب نفسه فإن تقليص النفقات وتحقيق الربح للشركة ليس من الأولويات. وقد يكون ذلك صحيحا في نهاية الأمر، وقد يكون الحل الوحيد الممكن هو تخصيص الشركة، أو حلها وإعادة تكوينها من جديد على أسس الربحية وتحقيق رضا العملاء.

إلا أن آراء بعض الركاب تشير أيضا إلى إمكانية تحسين خدمات الشركة، إذ يرى نحو 40% من الركاب، حسب تحليل منظمة سكايتراكس، أن خدمات الشركة مقبولة، ما يعني أنه في بعض الحالات وعلى بعض الرحلات تستطيع الخطوط السعودية تقديم خدمات مرضية، وهو ما يبعث الأمل في إمكانية تعميم هذه التجربة والرضا على بقية رحلات الشركة العتيدة.