طغى الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مؤخرا مع القوى الدولية على ما عداه من أحداث إقليمية دولية، والسبب لا يعود فحسب إلى الفوائد التي ستجنيها طهران من ورائه، وإنما أيضا لتداعياته الكارثية المتوقعة على المنطقة، وأولها دول الخليج العربي.

لقد عبرت بلدان المنطقة، وفي مقدمتها السعودية، مرارا عن رغبتها في أن تنتهي المفاوضات بين إيران والقوى الدولية بتسوية شاملة للقضية النووية، مطالبة بآلية واضحة تضمن التزام طهران بما يتم التوصل إليه، وألا يكون ذلك على حساب الآخرين، وهو أمر لم يوفره هذا الاتفاق، إذ إنه سمح لطهران بالحصول على مكاسب فورية مثل: تصدير واستيراد الأسلحة والحصول على جزء من أرصدتها المجمدة في الخارج، فضلا عن رفع العقوبات المفروضة عليها، في مقابل تعهد مستقبلي بالتوقف عن تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية، دون إلزامها بوقف تشغيل أي من هذه المنشآت أو التخلص منها، كما حدث مع دول أخرى.

ومع أن الولايات المتحدة ترى في هذا الاتفاق انتصارا استراتيجيا لها، لأنه أوقف وبشكل نهائي طموح إيران بامتلاك السلاح النووي، إلا أن المكاسب التي أنجزها النظام الحاكم في إيران تبدو –من الجهة الثانية– أشد خطورة ليس فقط على الأمن الإقليمي، وإنما أيضا على القوى الديموقراطية الإيرانية التي راهنت لزمن طويل على الدعم الدولي لها للتصدي لسياسات القمع الداخلي.

صحيح أن الاتفاق يشكل نهاية لتأزم اقتصادي داخلي سببته العقوبات الدولية، وهو أمر قد يفيد الشعب الإيراني جزئيا، إلا أنه يتضمن في المقابل أضرارا فادحة؛ منها مثلا: تقوية قبضة نظام الحكم في مواجهة الاحتجاجات الشعبية التي انفجرت في الفترة الأخيرة رفضا لسياسات الإقصاء والتهميش، ومنها أيضا: فسح المجال أما استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة تجاه الأقليات الرئيسة في البلاد كعرب الأهواز والأكراد والسنة في بلوشستان، مقابل تحقيق مصالحه.

الأخطر من ذلك، هو منح النظام الإيراني مكافأة مجانية تتمثل في إعادته إلى الحظيرة الدولية ليستفيد منها سياسيا واقتصاديا، بما يساعده في مواصلة نهجه الخارجي القائم على التدخل في شؤون الآخرين وتوتير الأجواء الإقليمية، رغم أن الفرصة كانت مهيأة لاستغلال هذا الاتفاق من أجل إلزام الإيرانيين بقواعد القانون الدولي، وإجبارهم على احترام استقلال الدول وخياراتها الوطنية.

ومما يؤكد هذا الخطر، أن الحكومة الإيرانية سارعت، وبمجرد توقيع الاتفاق، إلى تقديمه كانتصار لمشروعها السياسي في المنطقة، مع توظيفه رسالةً لتحريض القوى التي تدور في فلكها، كي تواصل جرائمها في حق شعوبها.

وما يبعث على القلق أكثر، هو إعلان القوى الغربية التي ما فتئت تتحدث عن أدوار إيران التخريبية في المنطقة، على الاحتفاء بما تحقق وكأنها تعترف –ضمنا- بأن البشاعات التي ترتكبها طهران، مجرد أفعال هامشية يمكن الصمت عليها، طالما أن نوافذ الود قد أصبحت مفتوحة مع خامنئي والذين معه.