بين الولاء والمعارضة ضاعت ملامح "الوطنية"، وأصبحت كلمة ممجوجة تُشعرك بأنها أصبحت كلمة "تبريرية"..!

غمست كلمة "الوطنية" في كل صحنٍ سواءً كان سياسياً أم دينياً أم اجتماعياً أم رياضياً؛ ولكن لم توضع في المنتصف ليتشارك فيها الجميع، بل وضعت في طرف "الغامس" ليكون هو "الوطني" والبقية أعداء الوطن بقصدهم أو بجهلهم..!

في الوطن العربي الذي يسكُنه الخريف، كل سياسي وكل صحفي وكل أكاديمي وكل شيخ هو الوطني الوحيد في وطنه، وهو الأعرف بما يخدم الوطن، وغيره يعمل ضد مصالح الوطن، حتى أصبح كلٌ يدعي وصلاً بـ"الوطنية".. وكلٌ يحلف بأيمانٍ مغلظة بأنه وطني حتى النخاع وبأن معارضيه ومنتقدي آرائه وتصرفاته خونة أو جهلة..!

في العراق أصبح من يُسلم مفاتيح الوطن إلى إيران يعتبر نفسه الوطني الأصيل وغيره "عميل".. في سوريا أصبح الذي يقتل شعبه هو الوطني البطل ومن يطلب "الحياة" ويبكي موت أهله هو الخائن لوطنه.. في مصر أصبح من يشتم الخليج هو الوطني الغيور على مصر وغيره "أجير"، في ليبيا ضاع الوطن وأخذ معه الوطنية وأصبح السلاح هو الوطنية..!

في الخليج للوطنية عدة أوجه فكل يومٍ هي بشكل، فيوماً تجدها على لسان نخبوي يطالب بالحريات ويوماً تجدها بين يدي ذات النخبوي وهو يصفق لقرار يكمم الأفواه، يوماً ترى مدعي "وطنية" ينافح عن حقوق فئة في وطن آخر ويغض الطرف عن مطالب وحقوق جيرانه داخل الوطن..!

أغرب قصص الوطنية التي قتلت الكلمة، تحدث هذه الأيام في بلد الديمقراطية "الكويت"، إذ يدعي النائب الكويتي عبدالحميد دشتي أنه الأكثر وطنيةً في بلده وفي أمته، ويدعي بأنه يواجه مخططاً صهيونياً لقي ضالته في حفنة عنصرية من أبناء وطنه وأمته آمنت بالانبطاح والتذلل..!

ومع ذلك، دشتي لا يجد حرجاً في الافتخار بأنه نال شرف اللقاء بالبطل "بشار الأسد" الذي قتل شعبه وحفظ أمن الصهاينة، ثم يفاخر بأنه زار والد عماد مغنية القيادي في حزب الله والمتهم بمحاولة اغتيال أمير الكويت الراحل جابر الأحمد، واختطاف طائرة الجابرية التي أودت بحياة عدد من الكويتيين.. وعلى الطرف الآخر من الوطنية لم يجد رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم إلا "تويتر" ليعلق فقال: "تصرف النائب دشتي مرفوض وغير مسؤول واستفزازي، وبالتأكيد لا يصب في اتجاه تعزيز الوحدة الوطنية".

(بين قوسين)

الوطنية الحقيقة تظهر على وجه الإنسان دون أي يستخدمها لفظياً.