تؤكد الإنجازات الكبيرة التي حققتها الجهات الأمنية خلال الأيام الماضية في إفساد مؤامرات تنظيم "داعش" الإرهابي حقيقتين أساسيتين؛ الأولى: تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة المخططات التي تستهدف أمن المملكة واستقرارها. والثانية: أن يقظة رجال الأمن وجسارتهم في التصدي للإرهابيين ستبقى السلاح الأمضى لحماية حاضر السعوديين ومستقبلهم.

يتصل ذلك بأهمية الدعم غير المحدود الذي تلقاه القطاعات الأمنية كافة، سواء من جانب القيادة أوالمواطنين الذين أظهروا في كثير من الأحداث مدى وعيهم بأهمية القضاء على الإرهاب لا بوصفه تهديدا لأمن المملكة فحسب، وإنما أيضا لوعيهم بأنه مخلب قط لقوى خارجية تتأذى من وحدة الصف الداخلي، ومن نجاح السعودية في تجاوز العواصف التي ضربت بلدانا أخرى فقوضتها، وأشاعت فيها الفوضى والخراب.

ويجد المتأمل للضربات التي وجهتها الأجهزة الأمنية مؤخرا أن رجال الأمن قد وصلوا إلى درجة كفاءة تؤهلهم لنزع فتيل كل مخطط في الوقت المناسب، بحيث لا يتمكن الذين يقفون خلفه من تحقيق أي من أهدافهم الشريرة، بما في ذلك سعيهم إلى إلحاق الأذى بالمواطنين، أو إثارة أجواء الخوف بينهم.

لقد أثبتت الضربات الاستباقية الناجحة للمخططات الإرهابية كفاءة الأجهزة الأمنية وجاهزيتها للتصدي لكل من يسعى إلى النيل من أمن السعودية. كما أنها حملت رسالة واضحة بأن المساس بأمن ومقدرات هذا الوطن خط أحمر سيدفع كل من يحاول الاقتراب منه ثمنا فوريا باهظا، والأهم هو ما تضمنته من معان قاطعة بأن الشعب السعودي وقيادته يقفان في خندق واحد؛ للذود عما تمثله السعودية كمركز للإسلام الوسطي، وكمدافع عن قيمه الكبرى في مواجهة من يحاولون اختطافه في اتجاه التطرف والكراهية والتخريب.

وفي تقديري أن النجاح السعودي في مواجهة "داعش" إنما يشكل انتصارا لكل العرب والمسلمين، ذلك أن بقاء المملكة آمنة وقادرة على المضي قدما في الذود عن حقوق الأمة ومصالحها، سيحفظ للجميع الأمل بأن ما يحدث في ساحات أخرى تهدمت فيها أركان الدولة حتى باتت مستباحة من جانب قوى التطرف والكراهية والطائفية، لن تستمر طويلا ما دام المركز ممسكا بالزمام، وقادرا على إلهام غيره بأن النصر ليس ببعيد.

وفي رأيي أيضا أن الانسجام الذي تعمل به الأجهزة الأمنية في مواجهة الإرهابيين، يمثل درسا ينبغي على كل من يواجه "داعش" أن يأخذه في الاعتبار، فما حققه هذا التنظيم من تمدد وتوسع في دول أخرى لم يأت بقوته الذاتية، وإنما باستغلاله للتناقضات الطائفية والسياسية، وتوظيفه للمظالم التي تعانيها بعض القطاعات الاجتماعية المهمشة، ثم باختراقه لقوى الأمن المهترئة، وهي أمور لا مجال لها في الواقع السعودي، ليس فقط للتلاحم الوطني الذي ميز أبناء شعبنا في مختلف المراحل، وإنما أيضا للوعي الجمعي العميق بأن التصدي للخطر هو فرض وواجب لا يمكن التخلف عنه أو حتى تأجيله.