سعيا منها إلى خلق إجراءات تحفيزية لمزيد من النشاطات الاقتصادية، فتحت الصين مزيدا من القطاعات أمام الاستثمار الأجنبي، في إشارة تعكس لجوء الصين إلى هذا الحل الذي يمثل خيارا استراتيجيا لزيادة نمو الأسواق العالمية وتطويرها، إلا أن هذا الخيار لا بد أن يقترن بالشفافية وتسهيل الإجراءات لجذب المستثمرين الأجانب.

تحول إجباري

الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله باعشن قال لـ"الوطن" إن الخطوات التي قامت بها الصين في فتح مزيد من القطاعات للاستثمارات الخارجية يقف خلفها أسباب اقتصادية، إذ إن الصين فتحت سابقا الاستثمارات للاقتصاد الأجنبي، ولكن كانت تركز ذلك على الصناعة، فيما أن أغلب المنتجات في الصين والمصانع هي لرؤوس أموال أميركية وأوروبية نظرا لرخص العمالة، إضافة إلى أن التنظيمات العمالية غير موجودة في الصين كما هي في الولايات المتحدة وأوروبا.

ويرى باعشن أن الصين تنتقل الآن إلى مرحلة اقتصادية أخرى، فبعد المرحلة القوية في الإنتاج والتصدير ومنافسة السلع في الأسعار والجودة، بدأت تتوجه لمجال تقديم الخدمات خاصة مع وجود البنية الصناعية، مضيفا: "ومجال الخدمات يتطلب منها أن تفتح الاستثمار الخارجي في هذا المجال لأهمه الشركات المالية وقطاع الخدمات وكذلك قطاع البنوك، فبالتالي أصبحت الصين وللمرة الأولى تسمح لبنوك غير صينية بمزاولة العمل في السوق الصينية".

وقال باعشن إن البنوك والخدمات كانت حكرا على الصينيين وكانت النافذة المفتوحة على الاقتصاد الصيني فقط في الصناعة، وترى الصين أن هناك تراجعا في نمو اقتصادها، لذا فهي تحتاج لتحريك هذا الاقتصاد فبدأت ببرنامج التيسير الكمي المشابه للبرنامج الذي قامت به الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وهذه السياسة المالية تحتاج لتدفق مزيد من الأموال، إضافة إلى أنها سعت إلى خفض عملتها ما ألزمها بعد فتح مزيد من القطاعات للاستثمار الخارجي بالحد من المضاربة في اليوان الصيني.

عوامل استراتيجية

وأشار باعشن إلى أن كل ما قامت به الصين يمثل عوامل استراتيجية تنقل الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة إلى مرحلة وآفاق جديدة، موضحا أن المستفيد من توجه الاقتصاد الصيني نحو جذب مزيد من الاستثمارات الخارجية هي الدول التي لديها المقدرة على الاستثمار وليست الدول الناشئة. وقال باعشن إن الاستثمارات عندما تُفتح في أي دولة يكون لها ثلاثة أهداف: الأول والرئيس هو البحث عن القيمة المضافة، وثانيا التعامل الاقتصادي بالمثل سواء في حجم الضريبة أو إجراءات الدخول والخروج ثم العائد، معتبرا أن الاقتصاد الصيني ينتقل الآن من مرحلة الاقتصاد الاشتراكي البحت المعتمد على الطبقة العمالية إلى اقتصاد خليط من الرأسمالية والتكافؤ الاجتماعي.

قرارات متشابهة

وعن تأثير توسع الصين في مجالات الاستثمار الأجنبي على القرار الأخير للمملكة الذي يسمح للاستثمار الأجنبي بالدخول للأسواق السعودية مباشرة، قال باعشن إن مكونات اقتصاد الصين تختلف عنها في المملكة، وكذلك اختلاف المخاطر بين منطقة وأخرى، مضيفا: "ولكن قد تحدث منافسة عالمية في الحصول على هذه الاستثمارات لتعدد الخيارات أمام المستثمر الخارجي الذي يفضل الذهاب للأسواق الأكثر شفافية وسهولة في الإجراءات، وعلى المملكة والدول الأخرى جذب هذه الاستثمارات من خلال الشفافية، ووضوح الأنظمة وقوة الأنظمة القضائية وسهولة الإجراءات إضافة إلى المقدرة على المنافسة في ظل فتح مزيد من الأسواق الأخرى للاستثمارات الخارجية.

إجراءات ضرورية

من جهته، يرى المستشار المالي محمد الشميمري أن الإجراء الأخير الذي قامت به الصين هو ضمن الإجراءات التحفيزية لزيادة النشاطات الاقتصادية فيها، موضحا أن المجال في السابق كان شبه مفتوح للاستثمارات الخارجية، إلا أن هناك بعض القطاعات لم تكن مشمولة.

وقال الشميمري إن الحكومة الصينية تسعى سعيا حثيثا إلى تفادي التباطؤ في اقتصادها، سواء أكان بتحفيز السياسة النقدية عن طريق خفض الفائدة أو من خلال إيجاد برامج تسهل التمويل للشركات عبر خفض متطلبات الاحتياطات لدى البنوك، وكذلك خفض العملة سابقا، وكل هذه الإجراءات تصب في محاولات من الحكومة الصينية للحد من التباطؤ المتوقع في اقتصاد الصين جراء انخفاض الصادرات لديها وهي عصب الاقتصاد الصيني.

وذكر الشميمري أن الفرق بين قرار المملكة والصين حول الاستثمار الأجنبي أن الأول سمح للاستثمار الأجنبي بدخول الأسواق السعودية مباشرة، وذلك لقطاع التجزئة والجملة على وجه الخصوص والذي يصب في مصلحة المستهلك، بينما الصين ركزت على القطاع المالي الذي فُتح لدينا ولكن بشروط ولوائح وتنظيمات.