بالتأكيد أن شبكة "كوميدي سنترال" لم تجبر الكوميديان الشهير "جون ستيوارت" على أن يترجل عن تقديم ورئاسة تحرير برنامجه الساخر "ذا ديلي شو"! وبالتأكيد -أيضاً- أن أرقام مشاهدة البرنامج الذي يعرض من 17 عاماً لم تتراجع؛ بل على العكس تضاعفت داخل وخارج أميركا!

المؤكد –الآخر أيضاً- هو أن "ستيوارت" اتخذ قراره وحده بالترجل وهو في قمة المجد، دون أن يطلب منه ذلك أحد! رغم أن برنامجه يكاد يعد من البرامج النادرة التي تعرض متزامنة حول العالم، وتلاقي إقبالاً منقطع النظير، وردود فعل واسعة ومتباينة، لكن يبدو أن "ستيوارت" مؤمن أن لكل شيء مهما كان ناجحاً نهاية، وأن أجمل وأروع النهايات تتحقق حينما تكون في قمة عطائك ومنتهى مجدك، وهذا بالفعل ما فعله حينما أعلن قبل أشهر عن تركه للبرنامج ثم وفى بعهده الأسبوع الماضي في حلقة ختامية أسطورية، قدر عدد مشاهديها بثلاثة ملايين ونصف المليون مشاهد فقط في أميركا.

بالطبع لم يكن "ستيوارت" مؤسس برنامج "ذا ديلي شو"، لكنه استطاع بحنكته ومهنيته ترقية البرنامج الساخر العابر إلى وجبة يومية لملايين المتابعين، بل أضحى مصدراً موثوقا للمعلومات والأخبار. السبب يعود إلى مهنية وشفافية أسلوب عرض المادة الإعلامية المنتقاة، وعدم التردد في كشف تناقضات السياسيين ومشاهير المجتمع، والأهم: فضح ممارسة الكيل بمكيالين في مختلف وسائل الإعلام الأميركية، الأمر الذي رفع أسهم البرنامج ومقدمه حتى إن مجلة "التايم" في 2009 صنّفت "ستيوارت" كأكثر مقدمي الأخبار ثقة لدى الجمهور!

لم يكن قرار التوقف سهلاً، فستيوارت سوف يفقد ظهوره اليومي، وقد يفقد تأثيره على الوسط الإعلامي الأميركي، لكنه استطاع أن يرسم نهاية حقبة مهمة من حياته بيده كما يرغب، وأن يحفر اسمه جنباً إلى جنب مع عمالقة السخرية اللاذعة والفكاهة الراقية، وبالتأكيد أنه يخطط لمرحلة جديدة في المستقبل القريب، وهذا ما ننتظره.