كتبت كثيرا مطالبا بتكريم من يستحق التكريم، ولا أجد بأسا في تكرار ذلك مرارا، خاصة أن ذلك مرتبط بأولئك الذين يقدمون للوطن التضحيات والإنجازات، من الشهداء أو من أصحاب الفكر المؤثر المثمر، ولعل في توالي الإعلان عن تسمية شوارع في بعض مدن المملكة بأسماء الشهداء -الذي قدموا أرواحهم؛ فداء ودفاعا عن أرض الوطن في الفترة الأخيرة- رسالة راقية تزينت بتقديم كل التقدير والإجلال لمن قام بعمل عظيم لهذا الوطن.

التكريم شأن مهم للإنسان حتى لو تم بعد وفاته، بل إنه يعطي المعنى الحقيقي للعمل الذي كان عليه المُكرّم، فكيف إذا كان دافع هذا العمل التضحية والإيثار في سبيل وطنه؟ جدير بنا أن نتوقف عند معنى التكريم والرسالة العظيمة التي يتبناها، وأن نجعلها من ضمن أولوياتنا، وألا تكون الجهة الوحيدة المعنية بهذا الأمر هي البلديات من خلال تبنيها إطلاق أسماء الشهداء وأصحاب الإنجاز والمفكرين على بعض شوارعها، فما نتمناه وننشده أن تتفاعل كل الجهات مع التكريم لكل المخلصين المبدعين وأولئك الذين يؤثرون على أنفسهم لأجل وطنهم، أو لأجل رقي الإنسان وتميزه.

فكم من شهيد قدم روحه فداء لوطنه فاستحق تكريم الجميع، فهل كان علينا حين تكريمهم أن نكتفي فقط بما تقوم به جهته المعنية من تكريم وأوسمة فقط؟ هنا أجزم أن هذا شأن اجتماعي عام لا يقتصر على الجهة التي ينتمي إليها فقط، بل جميعنا في الأمر نفسه، المدرسة والجامعة والبلدية ومراكز الشباب والرياضة.

فشهداء الواجب أحق أن تخلد أسماؤهم كسائر الشجعان والمبدعين وأصحاب العمل المثمر لهذا البلد، وأقف هنا عند شهداء الواجب من أولئك الذين قضوا نحبهم دفاعاً عن الوطن من عدو داخلي أو خارجي، فهل سمعنا عن مدرسة باسم شهيد أو ملعب باسم صاحب إنجاز في مدنهم التي ينتمون إليها؟ أحسب أن في ذلك عملاً تقديرياً كبيراً. ولنتخيل كيف سيكون وقع مثل ذلك على الناشئة والشباب؟ وما الذي سيفعله مثل هذا العنوان والاسم الكبير في النفس تجاه الوطن؟ وما أثر ذلك في تنمية الحب وتأجيج المشاعر مقارنة بتجمعات التعازي والبكائيات المؤقتة، التي استنفدت تحفيزها منذ زمن طويل.

وسام الشجاعة الذي تمنحه الدولة لأولئك الشجعان، وما تقوم به البلديات جدير بأن يفتح آفاق عناوين جديدة في العمل الوطني والانتماء الأمثل لهذا الوطن، ناهيك عن العمل الخلاق الذي احتواه في التحاب والتواد والإيثار بعد أن حاولت عدائية إيران، وتفجيرات الغدر من الجماعات المتطرفة أن تزرع شقاقا واسعا، لكن إرادة الله ثم تلاحم أبناء الوطن جديران -بإذن الله- بأن يجهضا مشاريعهما.

نقول إن من يفتدي بروحه هو الأجدر بالتكريم. لكن على الجهات التي ذكرتها، وفي إطار العمل الاجتماعي النبيل ألا تبخس المتميزين المبدعين من أولئك الذين رفعوا اسم الوطن عالياً من قادة عمل ورياضيين وعلماء ومخترعين وأدباء حقهم وشأنهم.

نعم نريد أن ننمي الوفاء والتحاب من خلال التكريم بتكريس فعل سعودي متميز عنوانه الوفاء والتآخي والتحاب والتكافل والتآزر في مواجهة كل المحن والنوائب والشراذم والعابثين؛ بتقديمنا رسالة نعبر فيها عن حبنا واعتزازنا بأن أطلقنا أسماء من نفتخر بهم وبعملهم على بعض مدارسنا وشوارعنا وملاعبنا؛ كي لا ننساهم.