مطلع السبعينات الميلادية كنّا نعيش وسط العاصمة الرياض.. تلاميذ نتكوم في فصل ليتم تعليمنا بما أجاد الله به على المعلم والمنهج، معظمنا ننتمي لعائلات سكنها بيت الطين، وزادها ما هو معلوم ومعروف من نتاج القمح والأرز، وإن تيسر بعض لحمة أو دجاجة تتبعها قطعة بطيخ، فنحن في عز وحال رغيدة.

لكن ما لم نعلمه أو ندركه نحن التلاميذ أن مناهجنا الدراسية في ذلك الزمن المنتشي برائحة الطين والبسط المسجاة على الأرض لجلوس التلاميذ عليها وهي المليئة بكل ما خلق الله من بكتيريا وعفن، تلك المناهج  لم تكن قد هيأت لنا، بل إنها صالحة لمن هم يعرفون الحضارة الجديدة والمأكولات الحديثة، فحينما قرأ معلمنا في تلك الحقبة الموضوع عن "لا ترم قشر الموز" معظمنا لم يكن يعرف الموز وليته قال لنا "لا ترم قشر الجح".. وحينما قرأ معلمنا الجديد الذي ينتمي لبيئتنا كلمة "طيروز" رددناها خلفه ببلاهة، ولم نعلم ومعنا معلمنا أن المقصود  "طيرُ- وز" إلا بعد أن نبهه طالب من بلاد الشام، وأصلح خطأ المعلم الذي يعيش أزمتنا؟!

الشاهد أن بلادنا من تلك الحقبة ويبدو أنه حتى ما سبقها وإلى الآن، لم تهيء المناهج المناسبة المتوافقة مع ما يعيشه الطلاب ويحتاجونه في حياتهم.. فما زالوا يتلقون تعليما ما يلبثوا ينسونه لأنه غير متوافق معهم، عبر حشو لا طائل منه، حتى إنك تجد تلميذ المرحلة الابتدائية وكأنه يحمل أسفارا في الذهاب والعودة من المدرسة وبما يصل أحيانا إلى أثقل من وزنه، فقط هذا ما تريده الوزارة ولا جديد تحت الشمس، وما زالت أتساءل عن هذا الحجم الكبير.. حتى ظننت أن الوزارة تحاسب مؤلفي المناهج بالصفحة! وعلى أطباء العمود الفقري أن يشكروهم لأن بلادنا يعرف فيها الصغير قبل الكبير آلام الظهر والديسك مبكرا!

ما علينا من ذلك لكن لندلف إلى المحتوى فطالب المرحلة الابتدائية يتعلم ما لا يتناسب مع سنه ومستوى عقله.. نصاب الزكاة من حقة وبنت لبون وصاع ومد واستنجاء واستجمار ما عاد يعرفها الآن.. وقصائد يرتاع الفطن من طولها فكيف بصغير أريد منه حفظها.. وهلم جرا.

الأسوأ والأنكأ أن التعليم  يقوم على الحفظ.. ومجال الإبداع  يكاد يكون ضعيفا إن لم يكن موجودا، وتشهد على ذلك الاختبارات النهائية التي مجالها الوحيد تفريغ المعلومات المحفوظة على ورقة الإجابة، وما عليك ألا أن تكون حافظا، لا مفكرا مبدعا.

ختام القول إن الأمر ليس محل مبالغة حين نقول إن بين مناهجنا في السبعينات والمناهج الحالية اختلافا وحيدا فقط.. ذهب إلى التفنن في أغلفة الكتب، أما الحال فهي هي، ولذا تمنينا استمرار الابتعاث ولا بأس أن بدأ من مرحلة مبكرة.. لعله ينتج لنا بعض علماء أو حتى مدركين قادرين على أن يغيروا ما نحتاج إلى تغييره!