الذين أعادوا إلى مطابخ بيوتهم جهاز "المذياع" مرة أخرى في هذا الزمن، في رأيي أنهم أبناء المرحلة التي اتسمت بمكانة الإذاعة وانتشارها في المنازل، فهؤلاء كانوا صغارا لا تعنيهم التفاصيل من مدلولات الإعلام والخطابات السياسية، بل هم أنصار كرة القدم، ويتتبعونها أينما اتجهت في الشوارع والحواري، إذ كانوا يمارسونها بالثوب والطاقية، وتجمعهم الأحاديث على شكل جماعات بعد صلاة العشاء إلى حين الذهاب إلى المنزل والنوم مباشرة.

اليوم يتكرر السيناريو ولكن بشكل مختلف، فنحن بين جيل جديد ينعم بكثير من الإذاعات وفي طريقة تلقيها، فهو يستمع إليها عبر مواقعها الإلكترونية وتطبيقات الأجهزة الذكية، فضلا عن التنقل بينها في السيارة دون أدنى معاناة سوى التشويش في الطرق السريعة، أو عدم توافرها في القرى وبعض المناطق.

العامل المشترك بين المشهدين أو الزمنين هو قياس المحتوى المقدم عبر أثير الإذاعة ومستويات الاهتمام والبرامج الموجهة وانعكاسها على المجتمع، وصناعة جيل من الإعلاميين ولغة الخطاب ودرجات الإقناع لعموم الجماهير المتنوعة والمختلفة تعليميا وثقافيا.

الإذاعات الحكومية منذ بداياتها قدمت القرآن الكريم والعلوم الشرعية المختلفة، والبرامج الخفيفة المنوعة والأغنية الطويلة وقضايا المجتمع، وفتحت الاتصالات مع الجماهير، وكانت المصدر الذي لا غبار عليه من ناحية المعلومة الرسمية للبيانات والأعياد ورمضان.

أما اليوم، فهي للأغاني وبرامج الاستخفاف والتعصب الرياضي..

للأسف، لم يكن يعلم من نادى بزيادة الإذاعات بأن المحتوى سقط مع كثرة الخيارات.