مضى على مغادرتي الولايات المتحدة الأميركية ربع قرن بعد أن مكثت بها سبع سنوات من الدراسة والتحصيل، وخلال فترة الدراسة تلك كانت أميركا أجمل والحياة فيها تتسم بالهدوء أكثر منها الآن، ويشهد الوقت الحاضر تقدما تقنيا كبيرا وأنتج العديد من التطبيقات التي يسرت ووفرت على الناس الكثير من الوقت والجهد في قضاء احتياجاتهم اليومية في مختلف المجالات، ومن مشاهداتي في الوقت الحاضر وجدت الحياة مختلفة في العديد من الجوانب عما وجدتها عليه في بداية البعثة، فمن ضمن الاختلافات التي تبدو واضحة للعيان هو ارتفاع الأسعار في السكن، والمواد الغذائية، والاستهلاكية في -أغلب الولايات- إن لم يكن جميعها، فقد ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ عما كانت عليه في السابق، وهناك ملحوظة أخرى تتمثل في امتلاك الأميركان السيارات العائلية الكبيرة التي تستهلك وقودا أكثر، والتي كانت نادرة في نهاية القرن الماضي وأغلبها يكون للتصدير، والسيارات السائدة في ذلك الوقت هي السيارات الصغيرة الاقتصادية، وقد يعود السبب في ذلك لعدة أسباب، منها زيادة الدخل الفردي، إضافة إلى التسهيلات المادية التي يتم الحصول عليها من البنوك، وقد يكون من ضمن الأسباب زيادة عدد الأطفال عند بعض الأسر وظهور الحاجة إلى مثل هذا النوع من المركبات، أما الاختلاف الآخر الذي تمت ملاحظته في هذه الأيام ظهور العديد من المحلات التجارية، والمطاعم، والمقاهي الجديدة التي لم تكن موجودة في الفترة الماضية، وانتشرت في أرجاء الولايات كافة بشكل كبير، وعليها إقبال منقطع النظير، وقد يعود السبب في ذلك إلى تحسن الوضع الاقتصادي، وظهور الحاجة إلى مثل هذه المحلات التي يقضون فيها كثيرا من أوقاتهم سواء في التسوق، أو تناول الطعام والقهوة.

أما الاختلاف الآخر الملاحظ في هذه الأيام فيتمثل في كثرة الوافدين الذين يقيمون، ويتعلمون ويعملون في مختلف الولايات في أغلب المهن التي كان يقوم بها الأميركان في الثلاثين عاما الماضية؛ فالملاحظ أن أغلبهم من أميركا الجنوبية قدموا للهجرة، أو العمل، أو الدراسة، مع أن أكثر من قابلتهم في فترة الابتعاث من أميركا الجنوبية كانوا طلابا مبتعثين من دولهم، والقليل منهم قدم للعمل، وفي هذه الأيام هناك نسبة كبيرة من المقيمين من الهند، والصين قدموا، واستقروا في أميركا للدراسة، أو العمل، وكذلك هناك عدد لا بأس به من العرب الذين أقاموا بشكل دائم في أميركا، وبعض هذه الجنسيات لديها أكثر من جيل ولديها إقامة دائمة، أو حصلت على الجنسية الأميركية، وفي الماضي كانت ظاهرة الوشم أو ما يعرف بالـ"تاتو" مقصورة على فئة محدودة جدا من الرجال من ذوي البشرة البيضاء، وفي هذه الأيام أصبح الوشم ظاهرة منتشرة بشكل كبير لدى الرجال والنساء على حد سواء، وأصبح هناك تحدٍّ بين بعضهم في نسبة تغطية الجسم بهذه الوشوم التي يتفاخرون بها؛ حتى الرجال والنساء من ذوي البشرة السوداء لديهم وشم على مختلف الأجزاء من أجسامهم، وانتشرت عدوى الوشم لتصل إلى أبناء الجاليات المقيمة كذلك.

وفي الجانب الآخر هناك نمو وبشكل ملحوظ في زواج البيض من السود الأميركان؛ ففي الماضي كان من النادر أن نشاهد رجلا أميركيا أبيض متزوجا من امرأة أميركية سوداء، أو العكس، أما في هذه الأيام فهناك جيل من الشباب خليط نتيجة للزواج بين البيض والسود.

ومن الملاحظ على أغلب المدن الأميركية أنها لم تتغير في كثير من مبانيها أو شوارعها، فهي كما كانت عليه قبل ربع قرن، وهذا يعود للتخطيط الجيد لهذه المباني، أو الشوارع والطرقات، وصيانتها بشكل مستمر، وإذا كان هناك تغيير، أو تطوير فهو محدود جدا ومدروس بشكل دقيق، ومراعٍ لكافة الاعتبارات، وهذا بعكس ما نجده في كثير من مدننا من تغيير مستمر في المباني والشوارع، وبعض هذه التغييرات قد لا تكون ضرورية.