"لا تعيرن كتابك واجعل العذر جوابك...

أو خذ الرهن عليه فإن في هذا صوابك؟

إن تكن خالفت أمري أنت ضيعت كتابك..."

هذه الحكمة البليغة استفدتها من الأستاذ الحلبي نذير الحامد المسكوبة على شكل شعر خفيف؟

ويروى عن أحدهم حين دخل عليه صديق له فراعه المزيج الجميل من الكتب عنده فسأله عنها؟ قال هي بقايا الكتب النائمة من الكتب المستعارة؟

وأنا رجل نكب أكثر من مرة حين خالف هذه القاعدة فضاعت مني كتب أتحسر عليها حتى اليوم؛ منها رواية (الرجل الضاحك) لفيكتور هوجو، وهي لا تقل روعة عن الثلاثي المعروف عنه؛ رواية (البؤساء ـ أحدب نوتردام ـ عمال البحر أو عاصفة وقلب).

وقد قرأتها أي رواية (الرجل الضاحك) عن صبي خطفه الغجر من عائلة نبيلة وشوهوا وجهه ليعمل معهم في السيرك وهناك يتعرف على فتاة عمياء تحبه وتعرفه عن طريق لمس وجهه وصوته، قرأتها وغرقت فيها، ثم طارت من مكتبتي؟

من الذي استعارها أين أصبحت الله أعلم؟ وقد وجدت نسختها بالفرنسية عند صديق لي في مكتبته للمرة الأولى في مونتريال أما النسخة العربية فقد ضاعت على ما يبدو.

وكذلك كتاب (سجناء العالم الذري) وهو كتاب عجيب يتحدث فيه عن السلاح الذري وأنه كان صناعة ألمانية، وأن الحلفاء ضربوا رؤوس اليابانيين بقنابل ذرية ألمانية، وهي تخالف كل المعلومات المتعارف عليها في الجو العلمي، ولكن تهديد هتلر خصومه بالسلاح السري، ثم صواريخ (V1 V2) التي صعقت لندن، ثم استفادة أميركا من براون مخترعها لتطوير برنامج إرسال المركبات الفضائية بنفس الطريقة، واختراع أول طائرة نفاثة وقصة الغواصة 238 التي أرسلتها ألمانيا إلى اليابان وفي بطنها ضابطان يابانيان كبيران مع نصف طن من مادة اليورانيوم الخام، وكذلك نشر مجلة در شبيجل الألمانية خبر ضرب ناغازاكي بقنبلتين؛ واحدة لم تنفجر سلمت للروس في صفقة إنقاذ اليابان، وكذلك نشر نفس المجلة خبر تجارب بدائية عن تفجيرات نووية في ظروف الحرب الكونية، كل هذه الأخبار وسواها تلقي الضوء على أنه ليس كل المعلومات بحوزتنا، وكذلك قصة الاستيلاء على أدمغة مح البيض أي العلماء الألمان، ومراقبتهم في بريطانيا لمعرفة الخطوات الفعلية التي وصلوا لها في أمرين: السلاح النووي ونظام الصواريخ البالاستية؟

ومن هذه الكتب الضائعة في غارة الإعارات كتاب (النظرية النسبية) لعبدالرحيم بدر، وهو كتاب اشتغلت عليه على طريقتي؛ حفر الكتاب، وتلوين المقاطع الهامة، ونقل الأفكار الجيدة إلى صفحات تغليف الكتاب الأولية، فيسهل الرجوع إليها لاحقا؟ أما كتاب (شروط النهضة) الذي وقعه مالك بن نبي بخط يده فقد استعاره أخ في الزارلاند في ألمانيا فأضاعه ولم يكن من النوع القارئ فغلطت مرتين.. وفي الإنجيل لا تلقوا الدرر أمام الخنازير.. وفي يوم قدمت كتابي (ظاهرة المحنة) لرجل ذي منصب كبير فمشى ولم يحمله فركضت خلفه وقدمته من جديد ظنا مني أنه نسي ولم ينس بل تغافل وكان خطأ جسيما مني فلا يعني المنصب ثقافة واسعة أكثر من علاقات وحظوظ.

مشكلة الكتاب الضائع محزن لعدة أمور: كتاب هام عزيز عليك، وكتاب اشتغلت عليه وتركت بصمات العمل عليه وتعرف كيف تصل إلى أحشائه الداخلية، والأمر الثالث أن الكتب النادرة لا تستطيع الحصول عليها في كل وقت؟ فهي متناثرة في مكتبات شتى، ومن يعشق الكتاب ترى في مكتبته هذه النوادر، وهي أشبه بمتحف صعب الوصول إليه؟

وتعتبر الكتب النادرة من ذخائر الفكر، وحاليا يتم تصويرها وحفظها في مشروع سمي سفينة نوح يشرف عليه مهندس اسمه (كالي بروستر Kahle Brewster) يفكر في طباعة الكتب والذخائر الروحية على النت حتى لا تضيع، وهو يزعم أنه حتى عام 2015 سيكون قد صور وخزن على النت أكثر من 15 مليون كتاب، و400 ألف وثيقة تاريخية، و120 ألف فيلم، وأزيد من 90 مليار موقع إلكتروني..

وفوق كل ذي علم عليم؟؟