كثرة القنوات الفضائية لم تمنع الغزو الفضائي من الاندحار أمام الغزو التقني. ولم يبق من ذاك الغزو إلا ذكريات القبول والرفض، وسلوكيات المجتمع على طرفي نقيض.

كنا نسمع عن دراسات وأبحاث عن الغزو الفضائي، لكنها لم تمنع سلبيات وإيجابيات ذاك الغزو الذي بدأ يتراجع أمام جيوش التقنية، ونحتاج اليوم إلى دراسات وأبحاث عن الغزو الجديد شرط ألا تكون مثل سابقتها عن الغزو الفضائي بلا أثر سوى الحبر الذي كتبت به.

الغزو التقني أصاب التلفزيون في مقتل "إعلاني" بعدما حولت التقنية فكرة التلفزيون الضخمة إلى فكرة صغيرة ضمن أفكار ومنتجات عديدة في "جيب" الإنسان، وجعلتها تنصاع تحت أوامر "إصبع" لا يرحم ولا يقدر أي حسابات غير حسابات صاحبه.

المجد للتقنية، والعزاء للتلفزيون إذا لم يتدارك القائمون عليه ما تبقى من أمجاده ليعززوها بالتقنية وقولبتها لتتوافق مع التقنيات الحديثة التي تذهب بنفسها لتبحث عن المشاهد وتعرض عليه بضاعتها، بعدما كان "التلفزيون" لا يحترم وقت المشاهد، بل يضطره إلى توقيته ويعسف مزاجه على مزاجه هو.

شركات الإعلان بدأت تقتنع؛ لذلك قامت "فيسبوك" بإطلاق مجموعة جديدة من الخدمات الإعلانية لجذب المعلنين التلفزيونيين إلى الشبكة الاجتماعية ذات الـ1.5 مليار مستخدم. والخدمات الإعلانية التي يتوافر معظمها كذلك عبر تطبيق "إنستجرام" المملوك لـ"فيسبوك" مصممة للاستفادة من نقاط قوة الشبكة الاجتماعية على الهواتف الذكية.

"فيسبوك" تجني أكثر من 7 مليارات دولار من عائداتها السنوية التي تبلغ 10 مليارات دولار، من الإعلانات على الهواتف.

قنوات فضائية أدركت قوة الغزو التقني وقسوته على الفضاء؛ لذلك بدأت تقدم أخبارها للمشاهد عبر جيبه، ولم تعد تنتظر رأس الساعة ليتسمّر المشاهد أمامها.