عند مقارنة أعداد المراكز، والمستوصفات، والمستشفيات الأهلية في المدينة، أو المحافظة الواحدة بنظيراتها الحكومية نجد أن عددها أعلى بكثير مما يتوقعه كثير منا، ولقد انتشرت المستوصفات، والمراكز الصحية الأهلية بشكل كبير في مختلف المناطق، وافتتحت فروع لبعضها في مناطق أخرى، وهذا دليل على الإقبال الكبير عليها، ونادرا ما نسمع عن إفلاس أي من المؤسسات الأهلية، والخاصة التي تعمل في مجال تقديم الخدمات الصحية، وتتفاوت هذه المؤسسات في مستوى تقديم الخدمات الصحية، وفي أسعار الخدمات التي تقدمها، فنجد أن كثيرا من المستوصفات والمستشفيات الأهلية لديها أسعار مرتفعة جدا، ولا تواكب الخدمات التي تقدمها الأسعار التي تتحصل عليها مقابل هذه الخدمات، وعندما يكون لدى المريض تأمين صحي، فقد يُطلب منه عمل العديد من الفحوصات، والأشعة، والتحاليل التي قد لا تكون ضرورية، والهدف من ذلك هو زيادة الدخل بأكبر قدر ممكن.

ولعله من المناسب أن نأخذ مثالا على زيارة مريض لأحد عيادات المنشآت الصحية الأهلية، وتتبع حال الاستقبال والخدمات التي يتلقاها المريض منذ دخوله المستشفى إلى وقت خروجه، فعندما تبدأ رحلة هذا الشخص تبدأ من الاستقبال مرحلة المعاناة؛ فنجد أن أغلب من يعمل في الاستقبال لديهم مشكلة في التعامل مع المراجعين، ولا يستمعون لتساؤلاتهم، ولا يردون على استفساراتهم، ولا يعطونهم الاهتمام الذي يحتاجونه، وموظفو الاستقبال في جميع القطاعات الصحية بحاجة لدورات مكثفة في مهارات التواصل مع الجمهور، حيث إن كثيرا منهم لا يمتلكون أبجديات التعامل الجيد، ولا يدركون دورهم في هذا المكان؛ ومعلوم أن الاستقبال يمثل الواجهة الأولى لهذه المؤسسة الصحية، وهنا أرى أنه من الضروري أن يتم اختيار موظفي الاستقبال في المؤسسات الصحية، وغيرها من القطاعات بعناية، وممن تتوافر فيهم مهارات التعامل الراقي مع المراجعين.

المرحلة التالية تتمثل في ذهاب المريض إلى غرفة الممرضة التي يتوقع منها أن تشرح له حاجته لبعض المعلومات قبل مقابلة الطبيب، فيجد تعامل الممرضة سلبيا، وكثيرات منهن يرفعن أصواتهن على المريض، ويعاملنه بطريقة غير لائقة، وهذه الفئة من الممرضات لا تنطبق عليها المقولة "الممرضات ملائكة الرحمة"، بل هن مصدر القسوة، ولا يقمن بما هو متوقع منهن من تجهيز لغرفة الكشف لدى الطبيب من تنظيف للأجهزة والأدوات بعد كل مريض، وهنا أعتقد أن الممرضات الوافدات بحاجة إلى دورة في التعامل مع المرضى بعد التأكد من أن لديهن شهادة تمريض رسمية ومسجلة، وسبق أن درسن مقررات متخصصة في مجال أخلاقيات المهنة، ومهارات التواصل.

التواصل مع المريض هو المحطة الأولى للتعامل السلبي لموظفي الاستقبال في هذه المنشآت، وكثير من الأطباء لا يستقبلون المريض بشكل مناسب، ولا يتفاهمون معه بأسلوب مقبول، حتى إن بعضهم لا يُسلم، أو يرد سلام المريض، ولا يجيب عن أسئلته بالشكل المناسب، ولا يبدي أي اهتمام بمريضه سواء من النواحي النفسية، أو العضوية، وبعضهم لا يقابل المريض وجها لوجه بل يتحدث معه ووجهه بعيد عن المريض، ويتعامل بفوقية مستغربة، وهنا أعتقد أنه لا دور لمقررات التواصل، وأخلاقيات المهنة التي درسها في أثناء دراسته للطب بما يمارسه مع مرضاه، يتوقع من الطبيب أن يستقبل المريض استقبالا جيدا، ويستمع إليه، ويوجه له بعض الأسئلة التي يرى أنها قد تساعده في معرفة أو تشخيص حالته، ويشرح له ما سيقوم به من إجراءات ومن خطوات بشكل واضح؛ لأن المريض بحاجة لمن يقف بجانبه، وفي الغالب لا يقوم الطبيب بهذه الأدوار بالشكل المناسب وبما يتفق مع مهنيته، ومتطلبات عمله كطبيب، وهنا أرى أنه من الضروري أن تقوم هذه الفئة من الأطباء التي لا تحسن التعامل مع المرضى، ولا تمتلك مهارات التواصل مع المرضى بمشاهدة مقاطع فيديو مختصرة لبعض الأطباء في الدول المتقدمة في جوانب متعددة، ومن أهمها استقبال المرضى، والتعامل معهم، حيث يتعلمون منها العديد من المهارات، ومن أهمها التعامل الراقي مع المرضى، ومع بقية الكادر الصحي في المنشأة الصحية، وعند الذهاب إلى صيدلية هذه المنشأة بالوصفة الطبية تجد تعامل الصيدلي، أو مساعده لا يختلف كثيرا عن الطبيب، أوعن موظف الاستقبال، أو الممرضات؛ فلا يشرح للمريض كيفية استخدام العلاج، ولا يخبره في حالة أعطاه علاجا بديلا لما وصفه له الطبيب.

كل ما سبق الحديث عنه هو عن مستوى الخدمات التي يقدمها القطاع الصحي الأهلي بمختلف مستوياته، وحقيقة الأمر أن موظف الاستقبال، أو الممرضة، أو الطبيب، أو الصيدلي انتسبوا جميعا إلى هذه المنشأة لخدمة المريض بمقابل يدفعه لهم، ولكنهم لم يدركوا ذلك بالشكل المناسب، ولذلك فالمريض يريد خدمة تتناسب مع ما يدفعه من مبالغ مالية، ولا يكون وضع هذه المنشآت كما يقال "أحشفا وسوء كيلة؟".

وفي ختام هذا المقال أوجه رسالة إلى أصحاب هذه المنشآت الصحية الأهلية، وأقول لهم عليكم متابعة ما يدور في هذه المؤسسات التي يفترض أنها معنية بعلاج الناس وتخفيف آلامهم، وتعرفوا على كيفية تعامل منسوبيكم بمختلف مستوياتهم مع المراجعين، وأحسنوا اختيارهم، ووفروا لهم دورات تدريبية في مجال التواصل والتعامل مع الآخرين، فهم بحاجة ملحة لها.