لم يهدأ بال فتاة ممن أحب وأحترم إلا عندما أرسلت لي أفلاما تظهر جزءا من معاناة الشعب الفلسطيني.. أفلام تبكي الحجر الأصم، ولها ولمن حمل همّ الشعب الفلسطيني أقول هذه المعاناة لم تكن يوما جديدة، فعمرها أكثر من سبعين عاما.. فالجديد فيها هو كاميرات الجوال وغيرها التي أثبتت وجودها في كل الأحوال، وأنها قادرة على نقل أدق التفاصيل..

ولمن سيلومني لأني امتنعت عن المنافسة أو مشاركة هذه الكاميرات في مهنيتها العالية، أقول له: كيف لي أن أفعل وقد هزت القواعد من أساسها، وأبكت من لا تعرف الرحمة طريقا إلى قلبه، ومَن اعتقد أن إظهار المشاعر ضعف ولو كانت لصور شاب يحتضر وقاتله يسمعه ولآخر لحظات حياته كلمات أقوى وقعا من الرصاص الذي انهار بالعشرات على جسده.

ولكني في هذا المقال أتطلع لأن أكون مستشارة أمنية لهؤلاء الصهاينة المدججين بالسلاح، فقد تابع العالم أجسادا تتراقص يمنة ويسرة وللأعلى وللأسفل أمام فتى لم يملك أمام هذا الجيش المدجج بالسلاح إلا حمل السلاح الأبيض، لعله يدافع به عن المسجد الأقصى أولى القبلتين، وعن وطن تغرب عن أهله لعقود.. لعله يوقظ ضمير عالم تغافل مع اللحظات الأولى لاحتلال الصهاينة لوطنه.

إذا أردت أن أكتب عن الانتفاضة الحالية ماذا يمكن لي أن أكتب، فلم يعد كلامي أو كلام غيري ينفع، فقد تحجر قلب العالم الأول وتليف ضميره.. فأقصى ما يمكن أن يقدمه في القضية الفلسطينية الشجب والإدانة ليرد كلاب الصهاينة بأن مَن دان هذه العنصرية الهمجية من ذاك العالم منافق، وقد صدقوا في وصفهم وهم الكاذبون.. نعم هذا العالم منافق، والذي يدعي الإنسانية ويتدخل في أحكام القضاء لهذه الدولة أو تلك، يكتفي بإدانة إسرائيل التي تنتهج العنصرية والهمجية بامتياز، والتي لا أشك مطلقا أنها أعطت دروسا مكثفة لحكومة بورما ولنظام بشار ولأمثالهما .. مما لم يجدوا أي غضاضة في قتل الآمنين المستأمنين ظلما وعدوانا.

وللصهاينة الذين لم يفهموا اللعبة: كانت الهزيمة هي ما يتجرعه شعبهم ولو نفسيا إلى درجة أننا رأينا الشهيد يحتضر والعصابة الصهيونية لا تتجرأ على الاقتراب ممن أمطرت جسده بالعشرات من الرصاص.. لهؤلاء أقول: إذا أردتم العيش بسلام والسير في الطرقات آمنين على أرواحكم فعليكم بالرجوع إلى عملية السلام، والتي عرضت على كافة الأطراف فوافقت عليها بما فيها الطرف الفلسطيني في حين رفضتم وأمعنتم في رفضكم، وإن كنتم تعتقدون أن ما تمارسونه على الأرض من جرائم حرب ستحميكم وتحمي ذريتكم من انتفاضات فلسطينية أصبحت موسمية وجزءا من تاريخكم المعاصر فأنتم بالتأكيد واهمون.. ولهم أقول: إن عملية السلام هي الحل لما تعانونه من خوف يلازمكم كظلكم.. فلا أمان دون عملية السلام.

أنا ههنا وفي هذه الجزئية من المقال لا أتشمت، ولكن أرصد بعض ما تعايشونه يوميا وعلى مدار الساعة.. مَن منكم يخرج مع أطفاله وهو آمن ومطمئن؟! مَن منكم يعتقد أن عمله في الجهات العسكرية أو ما يطلق عليه الأجهزة الأمنية عمل آمن؟! ومَن مِن العاملين في هذه الأجهزة الصهيونية لا يفكر في تغيير مهنته؟! فهو إن قتل لا يخسر حياته التي يعشقها، بل تفقد أسرته معيلها وقد تتشرد، فنتانياهو وحكومته العنصرية الفاشية تصدر الأوامر بتصعيد المواجهات ضد الفلسطينيين دون أي ضمانات للعاملين في أجهزته العسكرية.. وبالتالي يواصلون عملهم مكرهين.

وليت هذا الجهاز الصهيوني المتهالك فكر في أعمار الفلسطينيين ممن حرك وقاد وشارك في هذه الانتفاضة فسيجد أنهم من أجيال متعاقبة، وبالتالي فالنظام الصهيوني الفاشي العنصري لم يتمكن من قتل همة الشعب الفلسطيني في تحرير وطنهم، وإصرارهم على العيش بكرامة.

أما نحن فعلينا ونحن نتابع هذه الانتفاضة أن ندعو الله المنان أن يكرمنا فتكون مباركة فينتهي هذا المحتل إلى قناعة أن سلامته وسلامة شعبه تلزمه الجلوس على أساس عملية السلام العربية التي دعت إليها المملكة العربية السعودية ونالت تأييد جامعة الدول العربية بما فيها فلسطين.

وبالنسبة لوزارة التعليم الذي أعمل تحت مظلتها آمل منها إصدار تعميم لإحياء يوم لتذكير أبنائنا وبناتنا بالقضية الفلسطينية وموقف المملكة العربية السعودية من هذه القضية، منذ الملك المؤسس الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ إلى يومنا هذا.. وبيان المبادرات التي أعدتها المملكة لحل هذه القضية، والمبادرة العربية التي نالت تأييد الدول العربية بما فيها الحكومة الفلسطينية.

هناك موقف لطيف من طالبة سعودية سأشير إليه لأنه يستحق الإشادة، ففي المرحلة الأولى من دراستها الجامعية وهذا منذ حوالى أربع سنوات، فقد وجهت مدرسة لها ولزميلاتها استفسارا، ماذا تتوقعون أن يكون عليه عالمنا بعد أربعين عاما؟ قالت إحداهن قد تملك السيارات القدرة على الطيران، وهذا ما حدث بالفعل وقبل الأربعين عاما بكثير.. وقالت أخرى.. وأخرى .. وكانت المواضيع شتى، إلا أن هذه الفتاة قالت أعتقد أن فلسطين ستكون إن شاء الله محررة! ومن كلامها أدركت أن صوت فلسطين مهما كان ضعيفا أمام الهجمات العسكرية وتجاهل الأنظمة السياسية والإعلامية العالمية فلن يموت بإذن الله، وسيبقى مطالبا بحقه في الحياة، محررا من قيد الاحتلال، والله المستعان.