التباسات الوعي بمفهوم "الوطنية" ناجم عن قصور في إدراك المعنى وماهيته، من حيث الانتماء والالتزام مما جعلها "موضع خلاف لا وسيلة توحيد".

قبل زمن ليس بالقصير، طرح الأستاذ "زياد الدريس" المندوب الحالي للمملكة لدى منظمة اليونيسكو سؤالا حادا ومستفزا حول الوطنية وهل هي كائن هلامي؟ مصطلح الوطن والدار والبلاد وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواضع كثيرة كعلاقة فطرية بين الإنسان والمكان، ولكن البعض أسهب في تبشيعها واعتبارها نزعة مذهبية ونزعة تكتلية، ومنحى عنصريا وصورة من صور الوثنية.

يقول الأستاذ "عبدالرحمن الزنيدي": "تتجلى وثنية الوطنية في الأعياد الوطنية التي تتعدد حتى تغطي على عيدي الإسلام، والأناشيد الوطنية التي تقدس الوطن تقديس العابد لإلهه، والاهتمام باللغة العامية لكل قطر، وإيجاد فنون وطنية تميز كل قطر عن غيره مستمدة من التراث الوثني لذلك القطر، وتنحصر في همومه الخاصة"، ويقول صاحب كتاب "ثقافة التلبيس" الأستاذ "سليمان الخراشي"، الوطنية قامت برعاية استعمارية، وهي فكرة وثنية أشعلها النصارى العرب، ويزداد الأسف عندما نرى بوادر لهذه الدعوة تسري إلى بلادنا، خلال كتابات هنا وهناك، تحاول لبس الحق بالباطل، وتعيد هذه الفكرة جذعة في بلاد التوحيد، أما مجرد الوطنية فإنها نية باطلة لا تفيد الإسلام شيئا ولا فرق بين الإنسان الذي يقول إنه مسلم والإنسان الذي يقول إنه كافر إذا كان القتال من أجل الوطن لأنه وطن".

يقول الدكتور محمد عمارة: "القرآن الكريم يتحدث عن حب الإنسان لوطنه كمعادل وقرين لحب هذا الإنسان للحياة"، أما السنة النبوية فقد جمعت في أحاديثها بين مصطلحي الوطن والدار "هي وطني وداري" رواه أبو داود، وجمع بعضها الآخر بين مصطلحي الوطن والبلاد "ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم" رواه الإمام أحمد.

يقول الزمخشري في "أساس البلاغة"، "كل يحب وطنه وأوطانه ومواطنه"، بعض المنظرين للوطنية ليس بينهم وبينها وئام، منطلقين من تشويه صورتها في الأذهان، واضطراب في التفكير والتفسير والرؤية، بل لم يحاولوا استقراء ما ورد في آيات الله وسنة المصطفى من المكانة الروحية للدار والوطن، وشرح الأحاديث الصحيحة كحديث "ورقة" و"إبان بن العاص" مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقول أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه، "عمر الله البلدان بحب الأوطان".

يقول معالي الدكتور "عبدالعزيز الخويطر" رحمه الله، "الوطنية كائن عملاق لمن نبتت دوحة الوطنية في أنفسهم، وتعمقت جذورها في قلوبهم، وانتشرت في ثناياها. الوطنية كائن حي عزيز علينا بدونه لا تصلح الحياة، هناك أمور تؤكد الهوية لكل كيان، وأصبح "العلم" رمزا تتحد حوله الأمة، ومثله "النشيد الوطني" ومن يريد أن يعرف الأمور بوضوح يرى هذا، ومن يريد أن "يتغاشم" ويهز الصورة ويجعلها هلامية فله هذا".