حين نتحدث عن داعش مثلا، على اعتبار أنها أنموذج حي لآلة القتل باسم الدين، فإننا نتحدث عن فكر أحادي متطرف، أفضى إلى وجود جماعة تتخذ من العنف أسلوبا للحوار والتفاهم والإقناع.

وحين نتحدث عن الفكر المتطرف، فإننا أمام شذوذ معرفي عقلي ووجداني، يجعل صاحبه عرضة للميل عن الصواب، وتبني الأفكار الشاذة والغريبة، ومصادمة المجتمع بأطروحات بالية لا يستوعبها الزمان ولا المكان، وقد لا يستوعبها العقل أصلا.

تختلف أهداف أرباب هذا الفكر، لكنهم يجتمعون في طريقة فرض أنفسهم كأوصياء على المجتمع، فبينهم من يعتقد أنه يخدم الدين بإعادة ترويج واستهلاك بعض الأفكار والفتاوى، وهناك من يطمح إلى النجومية وجذب الأضواء والبحث عن بطولة من نوع آخر، وطبعا لن يجد إشكالا في سوق الأدلة التي ترجح كلامه وتدعم ما ذهب إليه، بل إن لديه الاستعداد للدخول في نقاشات فكرية محتدمة لـ20 عاما قادمة، فقط ليثبت قيام حجته ويكسب الجولة.

ومن هذه النماذج التي تبحث عن الحضور والتوهج على حساب الدين أو من خلاله، شخص يقدم نفسه على أنه طالب علم ومتفيقه، أخذ على عاتقه تبني المخالف والشاذ من القول، ونقل أخيرا قولا للشافعي يرى فيه ضرورة فصل النساء عن الرجال في القبور! أو على الأقل يكون الرجل أمام المرأة وهي خلفه!

نعم هكذا، ترك الأخ الكريم طالب العلم كل قضايا الأمة وما يصيبها من بلاء، نتيجة تراكم أمثاله في مجالس تدعي الفتوى ونقولاتها وما نتج عن ذلك من تنامٍ للخلاف والمخالفة والتطرف، وذهب إلى توزيع الأموات في القبور والفصل بين الرجال والنساء، ربما حتى لا يحدث الاختلاط وتقع الفتنة!

ولو أن هذا وأمثاله أمعنوا النظر قليلا لوجدوا أنهم هم أنفسهم الفتنة، وإلا ما الذي يجعل أحدهم يفتي أن الرجل كله عورة إلا وجهه وكفيه! دون أن يكون لديه دليل أو استناد شرعي، غير أنه يرغب في تصدر المشهد من خلال العبث بالفتوى وبعقول الناس.