ظهر مفهوم مجتمع المعرفة في بداية السبعينات من القرن الماضي، وهذا المفهوم يركز على الانتقال من الاقتصاد الصناعي الذي يقوم بالدرجة الأولى على إنتاج السلع وتسويقها إلى الاقتصاد المعرفي الذي يستثمر المعرفة إنتاجا، ونشرا، وتطبيقا، وقد أدى ظهور مجتمع المعرفة إلى عدد من التغييرات السريعة، والمستحدثات في مختلف مجالات الحياة، وهذا بدوره فرض على الحكومات، والمؤسسات اتخاذ العديد من الإجراءات التطويرية لمواكبة متطلبات المجتمع بمفهومه الجديد، ولمجتمع المعرفة خصائص عديدة تتطلب من جميع المؤسسات التعليمية أن تدركها، وتعتمدها في كافة أنشطتها المختلفة، وإجراءاتها التطويرية، ومع أن الحاجة ملحة لإعادة النظر في وظائف مؤسسات التعليم العالي وتطويرها بما يواكب متطلبات مجتمع المعرفة، إلا أن كثيرا من هذه المؤسسات مستمرة في العمل على تحقيق الوظائف التقليدية لها المتمثلة في التدريس، أو ما يعرف بنشر المعرفة، والبحث العلمي الذي هو إنتاج المعرفة، وخدمة المجتمع وهو الجانب الذي يركز على تطبيق المعرفة، كل هذه الوظائف يتم تحقيق بعض من أهدافها ولكن بصورة تقليدية.

ومؤسسات التعليم العالي بحاجة إلى نقلة نوعية تطويرية شاملة كي تتخلص من أدوارها التقليدية إلى أدوار تواكب مستجدات العصر، وأكثر فاعلية في مواجهة التطورات، والتحديات المختلفة التي فرضها مجتمع المعرفة، ولكي يتحقق ذلك فإن قيادات مؤسسات التعليم العالي بحاجة إلى تغيير أنماط إدارتها لهذه المؤسسات بحيث تكون أكثر مرونة، وتركز على سياسة قبول الأفكار التطويرية الجديدة والإبداعية، وتعمل على تبني وتطبيق أساليب، ومبادئ الإدارة التعليمية الحديثة التي تركز على الكفاءة، والإنتاجية، واعتماد مؤشرات الأداء، كما أن إدارة مؤسسات التعليم العالي بحاجة إلى الابتعاد عن المركزية في الإدارة، وتوظيف اللامركزية، وتوزيع المهام في إدارة منظومة الجامعة الإدارية.

ومواكبة مؤسسات التعليم العالي لمتطلبات مجتمع المعرفة يفرض عليها أن تسعى إلى التطوير المستمر وفق خارطة تطويرية بما يتوافق مع خطتها الإستراتيجية طويلة المدى التي يتم تطويرها حسب آليات وإجراءات بناء الخطط الإستراتيجية، وبما يعكس واقع هذه المؤسسات، ولا تكون خطواتها التطويرية محدودة وتأتي كردة فعل لتقرير، أو انتقاد، أو حادثة محددة. وأغلب مؤسسات التعليم العالي –إن لم يكن جميعها- بحاجة لإعادة هيكلتها الأكاديمية، والإدارية، والتنظيمية وفق أسس حديثة، وبما يتيح للعاملين في هذه المؤسسات المشاركة الفاعلة للمعارف، والمعلومات ونشر تطبيقاتها المختلفة في مجالات خدمة المجتمع، وبما يتوافق مع مبادئ التعليم المستمر، كما أن على هذه المؤسسات أن تواجه التحديات المستمرة  التي يفرضها مجتمع المعرفة، ومتطلباته من خلال الانتقال من تزويد المتعلمين بالمعلومات، والمعارف إلى العمل على اكتسابهم مهارات وخبرات وقيم التعلم الذاتي، والتعليم المستمر؛ لأن المتعلم لا يريد الحصول على المعلومات والمعارف بقدر ما يحتاج إلى آليات اختيار المعارف التي أصبحت متوافرة له من مصادر متعددة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال توظيف استراتيجيات تدريسية حديثة في مراحل التعليم العام، والتعليم العالي، وتوظيف التقنية وتطبيقاتها المتنوعة في مراحل التعليم المختلفة بما يسهم في سرعة اكتساب المهارات المطلوبة لتعلمهم.   

كما أنه يتوقع من هذه المؤسسات أن تعقد شراكات مع مؤسسات إقليمية، وعالمية مرموقة لتستفيد من خبراتها وإنجازاتها، وتخرج عن انعزاليتها، وتعمل على إيجاد علاقات وقنوات تعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي بما يعزز الثقة، ويحقق أهداف التعاون بين هذه الأطراف، ومواكبة مجتمع المعرفة يتطلب أيضا أن تعمل هذه المؤسسات للحصول على مراكز متقدمة في التنافس العالمي المبني على حقائق وبراهين وإنجازات، بعيدا عن حب الظهور الإعلامي الذي قد يعطي في كثير من الأوقات انطباعات براقة، ولكنها غير حقيقة، وقد تكون مضللة، ومواكبة مجتمع المعرفة ومتطلباته يتطلب استقطاب أعضاء هيئة تدريس مميزين وبارزين في مجالاتهم للعمل بمؤسسات التعليم العالي بعقود طويلة، أو قصيرة لكي تتم الاستفادة من هذه الطاقات الأكاديمية في تحقيق أدوار هذه المؤسسات في مجتمع المعرفة، بدلا من التركيز على الوظيفة التدريسية فقط، وإهمال الوظائف الأخرى.