ذكرت بعض التقارير الصحفية أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على إيران تتعلق ببرنامجها للصواريخ الباليستية، إلا أن تراجع واشنطن عن هذه العقوبات قد يُرسل إشارة خطيرة، الأمر الذي سيدعو طهران فعلياً إلى اختبار حدود الانتهاكات التي يمكنها الإفلات منها.

وقد هددت إيران بالرد على العقوبات المخططة، التي كانت ستعتبر الأولى من نوعها التي تُفرض عليها منذ الإعلان عن الاتفاق الدولي بشأن برنامج طهران النووي في يوليو. وكان الهدف من الإجراءات هو إظهار استعداد واشنطن لجعل طهران عرضة للمساءلة عن سلوكها غير المشروع. وقد اختبرت إيران صاروخا باليستيا جديدا في أكتوبر الماضي. وخلصت لجنة الأمم المتحدة في ديسمبر إلى أن صاروخ "عماد" قادر على حمل رؤوس نووية، وذلك في انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929. وأشار أحد المسؤولين بوزارة الخزانة الأميركية في خطاب ألقاه في سبتمبر، إلى أن العقوبات المشددة التي تستهدف عناصر صناعة الدفاع الإيرانية المشاركة في اختبار صاروخ باليستي وإنتاجه باقية على ما هي بموجب الاتفاق النووي.

إن تردد الولايات المتحدة في مواجهة ردة الفعل الإيرانية يفتح المجال أمام وقوع انتهاكات مستقبلية. وهذه مسألة مثيرة للقلق الشديد، لأنه عندما يتم تنفيذ الاتفاق النووي بشكل كامل، فسيتم عندئذ استبدال الحظر المفروض من قبل مجلس الأمن الدولي على اختبارات الصواريخ الباليستية الإيرانية، بصيغة أضعف مقتبسة من قرار مجلس الأمن رقم 2231. وتدعو تلك الصيغة طهران إلى عدم القيام بأي خطوات تتعلق بالصواريخ الباليستية وتهدف إلى نقل وإيصال أسلحة نووية لفترة تصل إلى ثماني سنوات.

 وتؤكد العقوبات أيضاً المخاطر التي يواجهها المستثمرون من دخولهم السوق الإيرانية. فطالما ينخرط المسؤولون الإيرانيون في السلوك غير المشروع ويستغلون شركات واجهة ووسطاء لمنع اقتفاء آثارهم، فإن ممارسة الأعمال التجارية في إيران تُعرِّض المستثمرين لردود فعل محتملة من الكيانات المالية العالمية. وإذا تراجعت الولايات المتحدة قبل أن يتم تنفيذ أي إجراءات، فمن الممكن أن تعتبر إيران أن إجراءات التهديد هي إشارات تحذير أقل من كونها نارا عشوائية تُطلق في الظلام.

وكان العديد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وقسم من الرأي العام الأميركي يشككون في قيام إدارة أوباما بالمخاطرة بتقويض الاتفاق النووي من خلال فرض عقوبات على الكيانات الإيرانية بسبب دعمها للإرهاب، أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان، أو أنشطتها الصاروخية الباليستية. وكان المسؤول السابق في وزارة الخزانة، چيب بونسي، قد قال في سبتمبر "إن الالتزام القاطع بإنفاذ العقوبات يُعد أمراً بالغ الأهمية أثناء تنفيذ الاتفاق النووي"، وأضاف "لا شك أن واشنطن تمتلك النفوذ والأدوات والعلاقات الكفيلة بإخضاع طهران للمساءلة، ويبقى السؤال ما إذا كانت ستلجأ إليها بالفعل"؟

من خلال تراجع إدارة أوباما عن فرض العقوبات حول اختبار إيران لصواريخها الباليستية -والعقوبات عديمة الأهمية إلى حد ما المتعلقة بها- فإن الإدارة الأميركية قد تركت انطباعاً بأنها، خلافاً لتعهداتها المتكررة، قد لا تعمل على فرض العقوبات الحالية أو أخرى جديدة، إذا ما انتهكت طهران قرارات مجلس الأمن الدولي أو الاتفاق النووي. وتوضِّح تصرفات إيران أن قادتها سوف يفسرون هذا التردد كونه ضعفاً، ودعوة لمواصلة اختبار حدود التزاماتها الدولية.