رغم الإعلان عدة مرات عن قرب تسليم روسيا دفعة من صواريخ إس 300 إلى إيران جرى توقيع عقدها قبل 10 سنوات، إلا أن ذلك لم يتحقق، تارة بزعم تعارضها مع الحظر المفروض على طهران، وتارة أخرى لاعتراض عدد من دول المنطقة على الصفقة، ورغبة موسكو في استغلال الصفقة لتحقيق أهداف سياسية.




لا تزال صفقة منظومات الصواريخ الروسية "إس - 300" مع إيران تثير الكثير من اللغط الناتج بالدرجة الأولى عن التصريحات المتناقضة من الجانبين، والتأجيل المتواصل لأسباب لا يتم الإعلان عنها. إضافة إلى العلاقات المعقدة بين روسيا والغرب من جهة، وبينها وبين إيران من جهة أخرى. لا سيما في ظل التداعيات المحيطة بالأزمة السورية، ومحاولات موسكو فرض نفسها كلاعب رئيس في المنطقة، وإمكانية ظهور تناقضات بين موسكو وطهران لأسباب كثيرة، على رأسها توزيع الحصص في سورية ما بعد الأسد، أو توجه إيران في مجالي النفط والغاز نحو أوروبا.

في منتصف فبراير الحالي تصاعدت التصريحات مجددا حول اقتراب موعد إرسال أول دفعة من منظومة الصواريخ "إس - 300" إلى إيران. وكالعادة تسابقت وسائل الإعلام الروسية على نشر أخبار من هذا القبيل، دون إسنادها إلى مصادر موثوقة. ولكن من الواضح أن الخلافات مستمرة بين الطرفين، سواء لأسباب مالية أو لأسباب تتعلق بنوعية المنظومات التي لم تعد روسيا تنتجها بنفس المواصفات التي تم الاتفاق عليها قبل حوالي 10 سنوات. وربما لأسباب تتعلق بالتوازن الإقليمي ومخاوف روسيا من توجهات طهران بعد الاتفاق النووي.

تم توقيع تلك الصفقة في عام 2007 بتوريد 5 منظومات "إس - 300" بقيمة 800 مليون دولار.

وبالفعل قدمت إيران دفعة مالية أولى، ولكن الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف فرض حظرا على توريد هذه المنظومات للجانب الإيراني، مستندا إلى قرارات دولية بشأن إيران، الأمر الذي أدى إلى إلغاء العقد. ورفعت إيران دعوى قضائية في هيئة التحكيم الدولية بجنيف، مطالبة بتعويض من روسيا بمبلغ يصل إلى 4 مليارات دولار.

في الحقيقة، لم تكن العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن على إيران في عام 2010 تتضمن هذه الأنواع من الأسلحة. وبعد ذلك اعترفت موسكو بأنها كانت تراعي العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ولم تكن ترغب في إفساد "شهر العسل" مع الغرب، وهو ما أزعج الجانب الإيراني ودفعه للتعامل بخشونة رغم كل التصريحات المرنة التي كان يتبادلها الطرفان.


 


بالونات الاختبار الروسية

في أبريل 2015 وقَّع الرئيس فلاديمير بوتين مرسوما يقضي برفع الحظر الروسي عن تصدير منظومات "إس - 300" الصاروخية لإيران، فاحتجت الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنطونوف برر هذه الخطوة بعدم وجود قيود دولية تحظر على روسيا تصدير هذه المنظومات إلى طهران، مشيرا إلى أن "إس - 300" ليست أسلحة هجومية. وإمعانا في تسويق الفكرة أو ورقة الضغط هذه، قال أنطونوف إنها مجرد منظومات للدفاع الجوي، وأن الولايات المتحدة تعترف بأن حظر الأمم المتحدة لا يشمل "إس - 300"، مبديا استغرابه من الأصوات التي تقول بأن موسكو لا تملك الحق بتصدير مثل هذا النوع من الأسلحة الدفاعية.

في واقع الأمر لم تكن هناك أي أصوات تتحدث عن أن العقوبات ضد إيران تشمل هذه الصفقة. وصرح الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض عقب محادثات أجراها مع رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينتسي، بأن بيع هذه الأسلحة لإيران لا يقع ضمن الحظر المفروض على طهران. ما يعني أن روسيا كانت تنفخ "بالون اختبار" وتفرقعه بنفسها. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أوقفت موسكو هذه الصفقة التي كان من المقرر تنفيذها منذ سنوات عدة؟ والإجابة لدى موسكو نفسها التي رأت آنذاك أن هذه الصفقة لا ينبغي أن تتم لأسباب تتعلق بصناعة القرار في روسيا نفسها، ونظرة روسيا لأمنها من جهة، وتنسيقها مع الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، من جهة أخرى.


 


مطامع روسية

- تحقيق مكاسب اقتصادية

- ضمان خطوط نقل الغاز

- الاحتفاظ بحليف في المنطقة

- البقاء في سوق الأسلحة




غموض من الاتفاق النووي

عقب توقيع الاتفاق النووي عبرت روسيا عن موقفها بطريقة فضفاضة ومرنة، تحتمل الكثير من التأويلات. إذ رحب بوتين بالاتفاق، مؤكدا أن بلاده ستبذل كل ما في وسعها لتفعيله، وذلك حسب بيان الكرملين. ولكن هذا البيان تحدث أيضا عن مصطلحات مثل "خطة الأعمال الشاملة التي وافقت عليها السداسية وإيران". وهو ما يعني من وجهة النظر الروسية أن الاتفاق غير مكتمل، ولكن هناك خطة عمل "شاملة" على شكل حزمة سيتم التعامل معها زمنيا، وأنه تم الاتفاق على مبدأ العمل على مراحل والمعاملة بالمثل، وهو ما كان الجانب الروسي يدافع عنه في جميع مراحل المفاوضات. كما أن الاتفاق الشامل حسب بيان الكرملين يعتمد على قاعدة القانون الدولي وبالدرجة الأولى على معاهدة منع الانتشار النووي واتفاقية ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك البروتوكول الإضافي.

بيان الكرملين تناول أيضا مسألة الأمن الإقليمي والدولي، مشيرا إلى أن التزام الأطراف المعنية بتنفيذ بنود الاتفاق يسهم في تعزيز الأمن الدولي والإقليمي، والنظام العالمي لعدم الانتشار النووي، وإقامة منطقة خالية من سلاح الدمار الشامل ووسائل إيصاله في الشرق الأوسط، وتشكيل تحالف واسع النطاق في المنطقة لمواجهة الخطر الإرهابي.

كما يشير الاتفاق إلى الدور الروسي في مشروعين تراهما موسكو مهمين بالنسبة لها، رغم الخلافات التي قد تنشأ حولهما، وهي خلافات قديمة منذ عام 2006 بين روسيا وإيران، لم يتم الاتفاق حولها إلى الآن. الأول يتعلق بنقل اليورانيوم منخفض التخصيب من إيران إلى الأراضي الروسية، مقابل توريدات اليورانيوم الطبيعي. والثاني يتعلق بإعادة تأهيل منشأة تخصيب اليورانيوم في "فوردو". ونجحت روسيا في تنفيذ معادلتها المذكورة أعلاه، وإن كانت قد أخفقت في الاحتفاظ بإيران كحليف لفترة طويلة. وتبقى فقط القضايا الخلافية الحادة العالقة بين موسكو وطهران، سواء بشأن تقسيم قاع بحر قزوين، أو بخصوص القضية المرفوعة من إيران ضد روسيا حول منظومة "إس - 300"، التي لم تتم إلى الآن على الرغم من أنها لم تكن ضمن عقوبات مجلس الأمن الدولي.


 


اتفاق المصالح وتضاربها

من الواضح أن موسكو وواشنطن تفضلان استخدام "اللاعب الإيراني المرن الجديد" في أجندة مكافحة الإرهاب، ولكن كل حسب سيناريوهاته ونظرته لتقسيم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج.

ومن الواضح أيضا أن البلدين لا يكترثان لإمكانية اندلاع حرب مذهبية في حال تدخل "اللاعب الإيراني" في تفاصيل المنطقة. فقضية سورية ستبقى مشتعلة لفترة طويلة لأن روسيا مع إحساسها بعدم تحقيق طموحاتها وخاصة في الاتفاق النووي الإيراني ستصبح أكثر تشددا في هذا الملف. والاستثناء الوحيد هو أن يمنحها الغرب مساحة محددة لكي تبدأ بالضغط على النظام السوري في دمشق في اتجاه السيناريوهات الغربية، أو التخلي عنه في نهاية المطاف. هناك أيضا الملف الأوكراني الذي يجري التحضير له بقوة من جانب الغرب وروسيا. وسيكون موقف الأخيرة أكثر تشددا فيه لنفس سبب تشددها في الملف السوري. خاصة بعد فشل مشروع "خط أنابيب الغاز التركي"، والرفض الواضح من الدول المطلة على البحر الأسود التعاون مع روسيا في مجال نقل الغاز، وكذلك بعد نجاح الاتحاد الأوروبي في الإبقاء على اليونان داخل صفوفه.

ويدور السؤال الآن حول كيفية تطبيع العلاقات بين إيران والدول العربية من جهة، وكيف سيكون للاتفاق النووي الإيراني أثر إيجابي على الحالة الأمنية في الشرق الأوسط؟ لقد أصبحت إيران ورقة مشتركة بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. ورغم انعدام الثقة بين الطرفين المتصارعين، فالثقة غير موجودة أيضا بين إيران وجيرانها، سواء العرب أو الأتراك، رغم أي تصريحات دبلوماسية. ومن الصعب الحديث عن كيفية استخدام الورقة الإيرانية وتبادلها بين موسكو وواشنطن، علما بأن الطرف الإيراني يسعى لامتلاك الأوراق الممكنة للعب في كل قضايا الشرق الأوسط، وعلى رأسها سورية والعراق واليمن. ويطرح نفسه بقوة على الساحة العربية.


 


المساومة بصفقة الصواريخ

ردا على سؤال حول موقف موسكو الخاص بضرورة تخلي طهران عن دعواها بشأن إلغاء الصفقة السابقة، قال ريابكوف إن موقف بلاده يتضمن بالفعل بندا حول ضرورة التخلي عن هذه الدعوى، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن مسألة تسلسل الخطوات وأبعاد الصفقة الجديدة هي من الأمور التجارية. وأضاف أن وزارة الخارجية لا تعلق على أمور تخص الخبراء.

على الجانب الإيراني، كان وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان قد أعلن في أغسطس 2015، أن بلاده ستوقع الاتفاقية مع روسيا خلال أسبوع، وتتسلم المنظومة في وقت قصير، وأن إيران ستتخلى عن الدعوى القضائية التي رفعتها فور التوقيع على العقد الجديد. وفي تصريحات أخرى قال "عملنا علي تحديث العقد وإعادة النظر فيه".

وأضاف أن موسكو قررت إجراء جميع التغييرات التكنولوجية لتحويل منظومة الصواريخ الحديثة لإيران.

طوال عام كامل تتوالى التصريحات من الجانبين الروسي والإيراني، على الرغم من توقف كل شيء تقريبا بشأن هذه الصفقة. وهو ما يعتبره الخبراء شكلا من أشكال التهديد المبطن لدول الجوار الإيراني من جهة، وابتزاز الغرب من جهة أخرى.

من جهة أخرى، بين السرعة التي تريدها إيران في تطبيع أمورها والتمهل الذي يريده الغرب، تكمن مصلحة روسيا الاستراتيجية، بين حدين متناقضين: الأول يتمثل في الحيلولة دون تفاقم التوتر بين واشنطن وطهران إلى درجة المواجهة العسكرية، لأن طهران حليف روسيا الأساس في الخليج والمشرق العربي. ويتمثل الثاني في الحيلولة دون تحسن العلاقات الإيرانية - الأميركية إلى حد التحالف الاستراتيجي بينهما، كما كان الحال في عصر الشاه، فتخسر روسيا مصالحها في إيران لمصلحة واشنطن.


 


أهداف إيران

- امتلاك صواريخ إس 300

- تطوير أنظمة سلاح الجو

- دعم موقفها في سورية

- التصدي للوجود الأميركي




تشكيل تحالفات جديدة

إيران تتعجل تشكيل أحلاف جديدة مستغلة التناقضات بين موسكو وواشنطن من جهة، وبين الأولى وحلف الناتو من جهة ثانية، وكذلك توجيه الأحداث نحو إسرائيل من جهة أخرى. وكل ذلك من أجل خلط الأوراق لصالح تخفيف الضغط على نظام الأسد، وتحويل مركز ثقل الأحداث نحو اليمن، ولكنها فشلت فشلا ذريعا في هذه المساعي لأنها ببساطة لا تتوافق مع مصالح الطرفين الروسي والأميركي معا.

هذا المشهد المتشابك يدفع موسكو وطهران إلى حرب "الإعلانات" في مجال التسليح. وكالعادة تتسابق وسائل إعلام الطرفين في الترويج لصفقات سلاح "إعلامية" على لسان مصادر مجهولة، سرعان ما يتم نفيها أو تأجيلها. والحديث يدور الآن عن إمكانية توقيع اتفاقية توريد مقاتلات "سوخوي - 30 إس إم" الروسية المتعددة المهام إلى إيران قبل انتهاء العام الجاري، وأن طهران تدرس حاليا إمكانية شراء دفعة تضم 60 مقاتلة من هذا النوع. هذا على الرغم من أن منظومات "إس - 300" التي تم التوقيع عليها منذ 10 سنوات لم يتم توريدها إلى الآن لإيران، وكل ما في الأمر أن الجانب الإيراني أبدى اهتمامه بهذه المقاتلات.

في هذا السياق تحدثت مجلة ناشونال انترست عن أن ظهور أي نموذج من مقاتلات "سو - 30" الروسية لدى طهران سيرفع إمكانيات قواتها الجوية، التي تتكون من طائرات أميركية وسوفيتية وصينية قديمة. ولم تستثن المجلة أن يكون وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان قد ناقش هذا الأمر مع الجانب الروسي في زيارته الأخيرة لموسكو. وقد تكون إيران بحاجة إلى أحد الموديلات الأكثر تقدما من هذه الطائرات مثل "سوخوي 30 إم2"، لأن شراء هذه الطائرات بالذات سيكلفها مبالغ أقل إذا أخذنا بالاعتبار وضعها الاقتصادي الحالي. لكن المهم هنا هو أن إيران لا تكتفي بشراء الأسلحة فقط، بل ترغب بتوقيع عقود تسمح لها




متلازمة الأسلحة وخطوط الغاز

بعيدا عن أن الاتفاق سيسمح بتوريد منظومات الصواريخ الروسية المتطورة إلى إيران، أو إشكالات الاتفاق النووي، فهناك قضايا أخطر بكثير لأن طهران تسير قدما نحو إملاء شروطها على كل أطراف اللعبة بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة. فالقضايا العالقة في بحر قزوين بشأن مرور الغاز الروسي مستقبلا عبر المشروعات المؤجلة، قد تصل إلى تأزم العلاقة بين موسكو وطهران وتوجهها إلى مسارات أخرى لا يمكن التكهن بها. ومن غير المتوقع أن تتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها في منطقة الخليج. وهذا يعني ببساطة إدخال المنطقة وأزماتها إلى ساحة الصراعات الكبرى بين موسكو وواشنطن بشأن الغاز وطرق نقله.

هذا المشهد يرتبط بمشهد آخر ملازم له، وهو سوق السلاح الكبيرة التي تتصارع عليها الولايات المتحدة وروسيا. فالأولى ملتزمة بأمن إسرائيل، أي أن المسألة أكبر بكثير من تصدير السلاح. كما أنها المصدر الرئيس للسلاح إلى الدول العربية، وبالذات دول الخليج. والثانية أصبحت ملتزمة بأمن النظام السوري في دمشق، ما يعني أن المسألة لا تقتصر فقط على التسليح أو العمليات العسكرية الحالية، بينما يمكن تصدير السلاح إلى إيران وفق نسق محدد وبشروط واضحة تماما.

لقد فشلت طهران في خطوتين مهمتين لدفع موسكو لمغامرات غير محسوبة. وهو ما وصفه المراقبون بالابتزاز. فنائب وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان أعلن في 2015 أن طهران تنتظر من موسكو مساعي دبلوماسية مع عدد من الدول لإنهاء الأزمة في اليمن. وكان رد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف أنه "مسرور جدا" لأن لدى طهران وموسكو نفس النظرة المشتركة للموضوع اليمني، التي تشمل التأكيد على الحل السياسي وإرسال مساعدات إنسانية. وكانت الخطوة الثانية عندما دعا وزير الدفاع الإيراني خلال مؤتمر موسكو الرابع للأمن الدولي لإقامة تحالف عسكري "إيراني - صيني - روسي". وردا على ذلك، أكد نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنطونوف على أن هذا الموضوع من اختصاص وزير الدفاع وليس من اختصاصه. وشدد على أن موسكو لا تجد ضرورة في تشكيل مركز ثقل مقابل لحلف الناتو، مشيرا إلى أن روسيا لا تنوي دخول حرب.