كشفت عملية التدخل الإيراني في الشأن الداخلي السعودي بعد إعدام مجموعة من الإرهابيين وما أعقب ذلك من اعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران الكثير مما يدور في الداخل الإيراني، وبخاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس خبراء الثورة. هناك الكثير من التناقضات نجدها في تصريحات المسؤولين الإيرانيين لتوضيح موقفهم من الاعتداء على السفارة والورطة الكبيرة التي وقعوا فيها بعد قيام المملكة العربية السعودية وعدد من الدول الخليجية والعربية إما بقطع العلاقات أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي أو استدعاء السفراء.

تظهر التصريحات القادمة من إيران أن كل جانب أو تيار يحاول التملص من المسؤولية وإلقاء اللوم على جانب آخر. وهناك شبه اتفاق على أن العمل كان منظما وليس عبثيا ولكن السؤال هو من قام بذلك؟ من المعلوم أن عملية الهجوم سبقتها تصريحات تحريضية لمسؤولين إيرانيين ضد المملكة، وهي بمثابة إشارة للقيام بعمل ضد البعثة الدبلوماسية، ولذلك طالبت عبر إحدى مداخلاتي التلفزيونية بضرورة إجلاء الرعايا السعوديين خشية تعرضهم للاعتداء من قبل ميليشيات النظام الإيراني في الداخل.

دعونا نلقي نظرة على التصريحات الإيرانية حول الاعتداء على السفارة السعودية في طهران لنرى مدى حجم الارتباك في الداخل الإيراني. لقد شكك عدد من الوسائل الإعلامية والأمنية من الهجمات على السفارة السعودية في طهران، إذ نسبت موضوع الهجوم على السفارة إلى عدد من الأطراف، ومن بينها رجال الدين الشيعة المتطرفين وعدد من البريطانيين وجواسيس ومعارضين للحكومة الإيرانية أو عملاء للسعودية. وكان محمد باقر نوبخت المتحدث باسم الحكومة الإيرانية قد ذكر في أحد المؤتمرات الصحفية أن "هذا الموضوع مثير للشكوك وسنقوم بالتحقيق مع المتورطين". من جانب آخر ذكر موقع "فرارو" المحسوب على التيار الأصولي في إيران أن البريطانيين يقفون خلف تلك الاعتداءات كون أن هناك مجموعة من رجال الدين الشيعة يمتلكون قنوات تلفزيونية تبث من مدينة لندن وتتخذ من هذه المدينة مقرًا لها. أما الرئيس روحاني فقد وصف من هاجم السفارة بـ"المتطرفين"، في حين نجد وزير الإرشاد الإيراني نوش آبادي يزعم أن الهجوم على السفارة السعودية وقنصليتها عمل يثير الشك، وأن هناك احتمالية لوجود خطة وسيناريو من أشخاص يسعون لإحداث خلافات وتوترات أكبر بين البلدين. من جانبه قال وزير العدل الإيراني مصطفي بور محمدي: "ما حدث من اعتداءات مؤخرا ضد السفارة السعودية من الممكن أن يكون قد حدث عبر عملاء وأجندة تعمل داخل البلاد ويعتقد أنهم من خطط لتلك الاعتداءات ونفذوها"! أما قائد الحرس الثوري فيتهم جهات معينة داخل إيران تسعى لتوريط النظام، في حين اعتبر قائد قوى الأمن الداخلي الإيراني العميد حسين اشتري الاقتحام "مثيرا للشبهة"!

خطباء الجمعة في إيران ظهر ارتباكهم أيضا، فقد قال إمام الجمعة في مشهد: لقد اختلقت السعودية في الأحداث الأخيرة الأعذار بعد أن قامت بإشعال النار داخل سفارتها في طهران حيث إن السفارة السعودية كانت قد باعت عددا من مركباتها قبل أيام من وقوع هذه الأحداث لسفارات أخرى، وهذا مؤشر واضح للمؤامرة المبيتة سابقا، وقد أخذت الرياض حادثة إشعال النار مبررًا لقطع علاقتها مع طهران"!! أما إمام الجمعة في کرمان فقال: "إن الهجوم على السفارة السعودية أمر لا يمكن قبوله، وما نتج عنه من قطع العلاقات بين الدولتين سيخفف الضغط النفسي والروحي على السعودية بعد إعدامها لنمر النمر"!! في حين قال خطيب جمعة آخر: إن "السعودية قطعت علاقتها مع إيران بعد أن تحطمت زجاجة نافذة من نوافذ سفارتها وسقطت قطعة من واجهة مبنى السفارة"!!

عندما نقرأ هذه التصريحات المتضاربة بشكل حيادي وموضوعي ندرك جيدا مدى القلق الذي يعيشه النظام الإيراني، فهو يتخبط يمنة ويسرة، يهاجم هذا ويبرئ ذاك، يدين مرة ويبرر أخرى. إن هذا الوضع النفسي السيئ الذي تعيشه طهران سوف ينعكس على نشاطها في الخارج ويمهد الطريق للانقضاض على مشروعها التوسعي في المنطقة وبتر أطرافه من لبنان شمالا إلى اليمن جنوبا مرورا بالعراق وسورية والبحرين والكويت وشرق السعودية. إلا أن تقويض المشروع الإيراني في هذه المرحلة يحتاج إلى تكاتف الجهود العربية والإقليمية لإعادة إيران إلى الداخل ليقول الشعب الإيراني كلمته ويواجه النظام مصيره الذي ظل يتهرب منه طيلة العقود الماضية. لقد جاء إعلان الكويت للأحكام القضائية الصادرة بحق خلية العبدلي في الوقت المناسب وقد تم الكشف عن أن العقل المدبر لتلك الخلية ومن يقوم بإدارتها يحمل الجنسية الإيرانية، وقد نشهد في الأيام القليلة القادمة المزيد من كشف أوراق الإرهاب الإيراني في دول الخليج العربي والمنطقة، مما يقود في نهاية المطاف إلى خلاص المنطقة من المشاريع التوسعية والأنظمة الداعمة الإرهاب، وسوف نشهد حينها تراجعا كبيرا في قوة التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة والميليشيات الشيعية في العراق وسورية مما ينعكس إيجابا على الأمن والسلم الدوليين.