لا يخبرنا علماء الطقس والأرصاد عن ظاهرة الجليد أو الثلج الذي صار ملمحا محليا يزورنا كل شتاء في السنوات الثلاث الأخيرة ليغمر ببياضه معظم شمالنا وبعض جهاتنا الوسطى والغربية.

ليتهم يقولون لنا هل هي ظاهرة جديدة، فإن كانت كذلك فما أسبابها وما محفزاتها التي استدعت هذا التحول الطقسي؟ وإن قيل إنها قديمة لكن الوسائط الذكية صارت تنقل الحدث الراهن في لحظة وقوعه لقلنا إننا لم نكن نسمع من شيوخ المنطقة وكبرائها في العمر أن الثلج كان يسقط عندهم.

 نعم كنا نعلم أن عرعر وطريف وما علاهما وما دونهما يعتريها البرد القارس والجاف، لكن لم نكن نسمع عن سقوط الثلج، وبالتالي فلا بد أن يقولوا لنا ما الذي يحدث؟ وهل هناك تحول في الكرة الأرضية وأنوائها على النحو الذي يجعل الآية تنقلب – وإن تدريجيا- من حالة تساقط الثلج وتراكمه على شمال الكرة الأرضية ليقتحم البلاد الصحراوية ويسقط تباعا أو موسميا على شمال الجزيرة العربية ليبدل من طبيعتها الروتينية المعروفة بقيظها اللاهب وشتائها البارد لتكتسي تخومها بالبياض.

وإلى حين تردنا الإجابة الشافية عن هذه التحولات فإنني أمعنت في تخيل التغير الذي سيطرأ بعد أن تصبح الحالة الجليدية واقعا ملموسا عندنا في كل شتاء، ثم تخيلت بالمقابل في موازنة كونية طبيعية أن البلاد الأوروبية وغيرها مما اعتدنا على أن يتكون عندها الجليد وقد أصبحت داخل دائرة الطقس الصحراوي الحار صيفا والبارد بلا ثلج في الشتاء وتوليت رصد التغيرات التي ستطرأ علينا وعلى أهل تلك البلاد.

لقد وجدت أن الأوروبيين الذين أصبحوا صحراويين سيتولون استحداث بطولات ومسابقات صيفية أولمبية للتزحلق على الرمال، وسيتم إقرار أنظمة وجوائز وميداليات هذه البطولة، وسيتم تبعا لذلك تدريب صبيانهم الصغار على هذه الممارسة الرياضية منذ الصغر ليتمكنوا من المنافسة على الميداليات، كما سيتم إنشاء النوادي الخاصة بهذه الرياضة وسيتقاطر محبو التزلج على الرمال على هذه المواقع التي ستتم بمحاذاتها إقامة المنتجعات والمهاجع والأكواخ السياحية وبيوت الشعر التي ستقام في أماسيها السهرات الصيفية لأفواج السياح وبالطبع سينشأ على أثر هذه الرياضة صناعات ثانوية لأدوات التزلج وملابسها الرياضية، ومن ضمنها "اللطمة" أو اللثام الذي سيحمي العيون من تدفق الرمال على الوجه أثناء الممارسة أو حين السقوط على الكثيب الرملي، وستتغير قائمة الطعام التي تقدم صيفا أو شتاء بحيث ستنشأ مخابز التميس إلى جوار أندية التزلج، وقد يضاف لها مشروب الحليب بالزنجبيل وبعض "المراصيع" والحنيني والعريكة في الشتاء وربما تتغير المفردة الشعرية لدى سكان تلك المناطق بحيث يستهل الشاعر السويسري قصيدته:

"ياذيب ياللي هاجني بعواه"، بدلا من مناجاة طيور النوارس أو البجع ثم سيعمد كبراؤنا والموسرون منا لقضاء إجازاتهم الصيفية في تلك المصايف فوق طعوس سويسرا أو مونت بلانت وعلى كثبان ورمال الألب يطربون لأنين الربابة ويتدفؤون بحماسة رقص "الدحة".

يطول التخيل ولا ينتهي..

لكنني تخيلتنا هنا وقد دهمنا الجليد حتى صار عادة شتوية سنوية فما الذي سيتغير عندنا تبعا لذلك؟

الحقيقة تقول إنه لا شيء سيتغير سوى أن شبابنا سيتولون كعادتهم "التطعيس" بسياراتهم فوق جبال الجليد وقد يمارس بعضهم التفحيط والانزلاق الخطير بسياراتهم في شوارع المدن، وقد تتم مطاردتهم من قبل رجال المرور، لكن هذا كله لن يدفعنا لإيجاد البديل الترفيهي المناسب كإيجاد أندية أو مسابقات على الجليد كما تفعل أجيال الجليد السابقة، ولا حاجة لنشوء صناعات مساندة لأدوات التزلج لأن كل ما نفعله سيكون نابعا من اجتهاداتنا الفردية، دون أن يتم تنظيم معتبر من القطاعات المعنية في هيئة السياحة أو رعاية الشباب، وقد نكتفي عوضا عن أن نتولى ذلك بأنفسنا بأن نعمد كعادتنا إلى استيراد حاجتنا من أدوات وملابس التزلج من الخارج، أما إذا شدنا الحنين إلى الدفء والرمال فما علينا – من حرج- إلا أن نشد الرحال صيفا إلى تلك المنتجعات الرملية الصيفية في الخارج كما نفعل الآن كلما أردنا أن نندهش ونقترب من مواسم الجليد.