لو وضع فرد من أفراد الحسبة نفسه في الطرف الآخر المستهدف من قِبلهم، وتعرض للتجسس عليه وعلى خصوصياته وتحركاته وأسراره، فلن يخرج منها حتى يجد نفسه متورطا بفعل مشين أو قضية أخلاقية أو على الأقل انكشاف سر من أسراره في مجتمعه الصغير، ولو افترضنا أن هذا العضو منزه عن الخطأ ولا يأتيه الباطل من بين يديه، وهو ما لم ولن يتحقق لأحد، فهل يرضى عضو الهيئة المغوار، أن يتعرض أحد أبنائه وذويه للتجسس حتى تنفضح أسرارهم أمام خلق الله، وتنشر صورهم وهم مكبلون على الملأ؟

النفس البشرية أمارة بالسوء، ومن لم تحركه نفسه اليوم ستحركه غدا، ومن يعتقد أنه معصوم من الفتنة والخطأ فقد ظلم نفسه، وربما كان هناك من المحسوبين على هذا الجهاز تورط في قضايا من هذا النوع الذي يتراكم على طاولات الهيئة الموقرة، لكن الله ستر عليه.

إذن المسألة، كما يتضح خلال الحوادث التي رأيناها أخيرا، لم تعد أمرا بمعروف ونهيا عن منكر، فلم يقل الله في تشريعه تجسسوا حتى تنهون عن منكر، وحتى رجال المباحث لا يبحثون عما ستره الله، إلا ما يخص أمن الدولة والمجتمع، وتبقى الأمور الشخصية شخصية، ولم نعرف يوما أن شخصا أوقع به لأنه يمارس فعلا مخالفا في منزله أو في مكان ساتر بعيدا عن أعين الناس، أو ارتكب معصية لم يجاهر بها، فهذه حالة لم يسجلها أي مجتمع من المجتمعات في العالم، بل إنه لم يسجلها التاريخ منذ نشأة الخليقة.

القضية صارت شائكة ويصعب السكوت عنها، وسجل كتاب الصحف وبعض المغردين استهجانهم لما يحدث، التجسس على البشر والإيقاع بهم ونشر صورهم والتشهير بهم، لكن هذا لم يعجب البعض، فتخندقوا لمحاربة الصحف والكتاب، ولم يكلف أحد منهم نفسه النظر إلى القضية من منظار محايد، ليكتشف الخطأ الذي اعترفت به الهيئة نفسها، فاحتدم الصراع وصارت مواجهة معلنة بين رافض لتصرفات أهل الحسبة المسيئة لشعيرة الأمر بالمعروف، وبين رافض لأي انتقاد لأعضاء الجهاز وكل من يحتسب بدراية وغير دراية، فهل يقود هؤلاء المجتمعَ إلى هاوية الصراع؟