في خضم سعيها إلى اختيار شريكها الإستراتيجي، تهدف دولنا الخليجية إلى ضمان حقوقنا المكتسبة، وتوجيه دفة العولمة لمصلحتنا، ووضع صادراتنا النفطية على قائمة أولوياتنا. فالدول الخليجية، التي لا يزيد عدد سكانها اليوم عن 0.5 % من عدد سكان العالم، تمتلك 44 % من مخزون النفط العالمي و24 % من مخزون الغاز الطبيعي، التي تقدّر قيمتها بالأسعار الجارية بـ800 تريليون دولار، لتعادل 15 ضعف قيمة الناتج الإجمالي السنوي العالمي، و60 ضعف قيمة التجارة العالمية في قطاعي السلع والخدمات.

ومع أن دولنا الخليجية توفر 27 % من احتياجات النفط العالمية، بما يفوق 76 مليون برميل يوميا، والتي من المتوقع أن تزيد إلى 31 % في عام 2020، إلا أننا ما زالنا نفتقر إلى أهم مقومات التنمية المستدامة من مياه وغذاء وتقنية، وما زلنا في أمس الحاجة لتطوير قطاعاتنا الخدمية، التي لا تزيد نسبة مساهمتها في الناتج الخليجي الإجمالي عن 40 % في المتوسط، لتصبح أضعف النسب بين دول العالم، حيث تفوق هذه النسبة   60 % في كل من الصين والهند، و70 % في كوريا وتايوان وسنغافورة، و80 % في أوروبا و85 % في كل من أميركا واليابان.

لذا كانت أنظار الشراكة الخليجية تتجه أحيانا إلى الصين والهند وأميركا والمجموعة الأوروبية، وأحيانا أخرى إلى اليابان وباكستان وأستراليا وماليزيا وجنوب إفريقيا. إلا أن الخيارات المتاحة للشراكة الإستراتيجية الخليجية مع الدول والمجموعات، كانت وما زالت تتمحور أولاً حول أهمية الوفاق السياسي مع الشريك المناسب، وثانياً حول قدرة التعاون المشترك على تقريب وجهات النظر تجاه القضايا المصيرية التي تواجه كلا الجانبين، وذلك قبل المضي قدماً في حسم الأمر لمصلحة شريك إستراتيجي ضد آخر.

الشراكة الإستراتيجية المثالية لدول الخليج يجب أن تنحصر في الدول التي تمتلك مقومات تحلية المياه وتوفير الغذاء وإثراء قطاع الخدمات، فنحن في أمس الحاجة إلى توسيع وتعميق قاعدتنا الإنتاجية لتخفيف اعتماد اقتصادنا على النفط كسلعة وحيدة للدخل. والدول الخليجية لا تحتاج إلى شراكات إستراتيجية لبيع مزيد من النفط والغاز والبتروكيماويات في الأسواق العالمية لتحقيق أهدافها التنموية، لكون العالم في أمس الحاجة لهذه المنتجات وسيبقى محتاجاً لها في المستقبل شئنا أم أبينا.

كما أن الدول الخليجية تحتاج إلى الشريك الإستراتيجي الذي يوفر لنا عناصر تنميتنا المستدامة، ويشاركنا في تطوير التقنيات الحديثة، وتصنيع قطع الغيار، وتنويع قاعدتنا الصناعية وتوسيع رقعة خدماتنا التنموية. وهذا يتطلب شريكاً إستراتيجياً قادراً على ضخ استثماراته وتوطين تقنياته وتقديم خبراته في مجالات الصناعات التكميلية أفقياً ورأسياً، لزيادة القيمة المضافة محلياً وتوليد وظائفنا وتأمين مستقبل زيادة المعروض من قوة عمالتنا التي ستفوق 23 مليون خليجي في عام 2020. بل نحن في أمس الحاجة إلى الشريك الإستراتيجي الذي يساعدنا على مضاعفة عدد منشآتنا الاقتصادية وبناء تجمعاتنا الصناعية وتوفير الدعم الكامل لمؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة التي تشكل 85 % من قطاع خدماتنا.

ونظراً لأن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه هذه التحديات الرئيسية، فعلينا اختيار الشريك الإستراتيجي الذي يعزز جهودنا في مواجهة هذه التحديات بشكل جذري، وتوجيه طاقاتنا البشرية ومواردنا المالية لتوفير الحلول العملية لها من خلال تحقيق الأهداف التالية:

أولاً: إنشاء المخزون الإستراتيجي الآمن للمياه، حيث تعتمد دولنا الخليجية على المياه المحلاة بنسبة لا تقل في المتوسط عن 65 %، وتحصل على الباقي من المياه الجوفية النابضة بنسبة 35 %. وهذا يتطلب تكوين بنك للمعلومات المائية، ورسم خارطة للموارد الطبيعية، وتحديد المكامن الجوفية الآمنة لتخزينها، إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص على تصنيع معدات التحلية وقطع غيارها ونقل تقنياتها.

ثانياً: توسيع وتعميق القاعدة الإنتاجية المحلية، حيث إن الدول الخليجية تستورد 90 % من احتياجاتها من 126 دولة، لتحتل المرتبة الـ18 بين دول العالم في قيمة الواردات، وتتربع قائمة أكبر القوى الشرائية للمواد الاستهلاكية في العالم بالنسبة لعدد السكان. وحتى نخفف من اعتمادنا على النفط كسلعة وحيدة للدخل، وزيادة إنتاجنا من السلع والخدمات علينا فتح الأسواق الخليجية للاستثمار وضخ مزيد من عوائد النفط في الصناعات التكميلية وتشجيع بناء التجمعات الصناعية. ويساهم هذا الهدف الإستراتيجي في مضاعفة الصادرات غير النفطية وتنويع مصادر الدخل.

ثالثاً: توطين الوظائف الخليجية لتأمين مستقبل الأجيال القادمة ولزيادة القيمة المضافة المحلية، حيث إن عدد السكان الإجمالي في دولنا سوف يزيد بنسبة 57 % خلال العقد القادم، ليرتفع عدد الخليجيين منهم بنسبة 89 % خلال المدة نفسها ويصبح عددهم 57 مليوناً في عام 2020. وسيؤدي هذا الارتفاع إلى زيادة المعروض من العمالة الخليجية بنسبة تفوق 112 % عما هي عليه اليوم لتصل في عام 2020 إلى 23 مليون خليجي قادر على العمل. وهذا الهدف يتطلب إعادة هيكلة التعليم بمختلف مراحله وتوجيه مخرجاته لاحتياجات سوق العمل الخليجية الفعلية.

رابعاً: رفع نسبة النمو الاقتصادي السنوي ليصبح ضعف نسبة النمو السكاني. وهذا يتحقق من خلال تخصيص المنشآت الحكومية وترسيخ مبادئ الاقتصاد المعرفي وفتح قطاع الخدمات للاستثمار، لتوطين التقنية وإثراء المعرفة في المزايا النسبية الحقيقية. كما ترفع عمليات التخصيص كفاءة المنشآت وقدرتها على المنافسة إلى جانب زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي.

ومن هذا المنطلق فإن الذي يعالج احتياجاتنا الملحة ويفي بأهدافنا التنموية هو الذي يستحق شراكتنا الإستراتيجية.