التبادر الذهني والواقعي من علامات الحقيقة، وهذه قاعدة منطقية ولغوية يُعملها القضاة واللغويون والأصوليون والمناطقة والاجتماعيون، في إثبات اليقيني ذي الأولوية التي لا تحتاج إلى كثير ضرب أمثلة من أدلة نقلية أو عقلية.

ويدور خلاف فكري حول الصراع الدائر بين مملكتنا الحبيبة بما تحمله من عمق وفهم تاريخي واجتماعي وسياسي وديني، وبين الطغمة الحاكمة في فارس إيران.

صحيحٌ أن السياسة منفصمة عن الدين في التعاملات الدولية، إلا أن هذه الفكرة لم تُعد مقبولة من خلال الواقع العملي، حيث الأحزاب الدينية المحافظة أخذت في الصعود والترقي، وهذا الخلاف بين المملكة العربية السعودية الممثل الحقيقي للدين الإسلامي والعدو الحقيقي للإرهاب الديني والدولي ولكل إرهابي، وبين إيران ممثل الإرهاب الصفوي، يطرح التساؤل التالي:

هذا الصراع، هل هو سياسي اجتماعي، أم هو ديني مذهبي، أم هو خلاف له ثمرة حقيقية وهو خلاف مؤثر؟

فمن ذهب إلى أنه سياسي فقط، فقد أهمل جانبا كبيرا يُخل في تصوير وتكييف عمق المسائل في ثنايا هذا الصراع الممتد منذ قرون طويلة، ولأن الجمع بين جميع أدلة ومسائل وصور القضية الواحدة المتكاملة هو إظهار لحقيقتها ورؤيتها بكل ما تحمله من إشكالات، مما يوضح الحلول المناسبة لكل تلك الإشكالات، وإن بنسبية ليست مطلقة.

فإن "فهم السياق الإيراني الراهن يظل متعذرا بغير إطلالة للتاريخ، تتيح للقارئ أن يعرف معاني ومدلول كلمات مثل: الولاية والمرجع والشيعة الاثني عشرية والإمام ونائبه والغيبة الصغرى والكبرى، وغير ذلك من العناوين والمصطلحات التي قفزت إلى لغة الخطاب، وأخذت مكانها بعد نجاح الثورة الإيرانية".

كذلك معرفة مبدأ التقية الخطير، وهو الكذب بكل ما يحمله اللفظ والمعنى. فالمذهب الاثنا عشري الصفوي الذي تُقرره إيران الصفوية دينا رسميا في دستورها، كما تنص عليه المادة الثانية عشرة، قد تفرد بمبادئ خطيرة جدا، وهذه المبادئ هي وقود يجعل مريديه ثوريين دائما، ولديهم كل الأمل والاستعداد أن يكونوا تضحية حقيقية للحق الإلهي المتغلغل في وهم الإمام وروحه، ومن أجل تخليد ولاية الفقيه، وهذه المبادئ هي الإمامة بمفهوم المذهب الصفوي، وكذلك مبدأ عصمة الإمام والتقية والمهدية والغيبة والرجعة والظهور والبداء والطينة، وهذه المبادئ والأسس والأركان لا يمكن فهم إيران الصفوية دون فهمها.

فقد يكون فهم تاريخ آية الله الخميني مهما جدا، وكيف تمت سيطرته على الثورة الإيرانية، وكيف قام بتصفية وقتل اليساريين والديمقراطيين وباقي الأحزاب الإيرانية، وطلبة المدارس الثانوية والأطباء والممرضات والمحاضرين والمعلمات والمعلمين والمهندسين.

فهذا كتابTortured Confessions: Prisons and Public Recantations in Modern Iran، وهو كتاب حري بالمراكز البحثية أن تقوم بدراسته وإخراج ما فيه من حقائق للرأي العام، حتى يطلع على حقيقة الوجه السيئ والأسود للقتل والتعذيب، وفيه سرد تاريخي وحقيقي، وكيف تمت سيطرة مجموعة آية الله الخميني على الثورة، وكيف أن المحاكم الثورية تم تنصيبها لقتل وإعدام كل من لم يُناصر الثورة الخمينية، بل إن الإحصاءات منذ 1981 حتى 1984 لمن تم إعدامهم تقدر بأكثر من 7 آلاف إيراني، معظمهم من الشباب.

وموضوع سيطرة الخميني على الثورة الإيرانية كان وما يزال أمرا غامضا لدى الأوساط الأميركية، وذلك لأنها فشلت في تصور قدرة الخميني وعمق سيطرة الفكر الإمامي الصفوي على أتباعه، ومدى تقدير عددهم، فقد فشلت أميركا واستخباراتها في عهد ديمقراطي "عهد كارتر"، ولم تدرك خطورة ما يحدث في دولة إيران الشاه، وخطورة التغير الذي لم يُعط حقه من الدراسة، وفهم متغيرات الظروف التي صاحبته، وكيف تغيرت المنطقة بعد أن تم اختطاف ثورة الشعب الإيراني من جماعة الخميني الصفوية، وكذلك فإنها تفشل اليوم فشلا ذريعا من خلال الرئيس الديمقراطي، ذي التوجه اليساري "أوباما" في عدم فهم عمق الفكر الإمامي الصفوي الذي تقوم وقامت عليه إيران، مما جعل أوباما يغض الطرف عن كل الإرهاب الإيراني حتى ضد المواطنين الأميركيين، كما في حادثة تفجير مدينة الخبر عام 1996، وهذا الفشل في فهم الأحداث والمتغيرات، قرره رئيس لجنة الأمن الوطني في الكونجرس خلال كتابه Failure of Imagination.

فقد قرر أن إدارة أوباما فشلت فشلا ذريعا في تقدير الأخطار المحدقة بالأمة الأميركية، وكذلك فشلت في كيفية الدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط، وفشلت أيضا في كيفية تصور وتخيل الأخطار المحدقة بالدول الصديقة لأميركا، وفشلت في تخيل وتصور الخطر الحقيقي الذي يكمن في إيران الإرهاب وحرسها الثوري، ودعمها الميليشيات الإرهابية، بل دعمها الدول الإرهابية مثل دعمها نظام بشار الإرهابي.

إلا أن فهم المبادئ والأركان الحقيقية لمذهب إيران الصفوي الذي تعدّه دينا يُمكّن الإدارة الأميركية من فهم إيران خلال العقود الماضية، ومن هذه المبادئ مبدأ التقية، وهو الكذب خداعا، حقيقةً وصراحة، وهو كما يعرف المفيد التقية عندهم بقوله: "التقية كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، وكتمان المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا"، وهذا المبدأ لو تم شرحه للساسة في الحزبين الجمهوري والديموقراطي، والقادة في المراكز البحثية بالولايات المتحدة وللشعب الأميركي لما تجرأ أوباما على توقيع ذلك الاتفاق النووي المشؤوم على المنطقة وعلى أميركا والعالم، وذلك لأنه يُعدّ تشريعا وتجويزا للإرهاب الصفوي وميليشياته أن يعملا في المنطقة كما يشاءان، ولأن مبدأ التقية لو تم جمعه وقراءته مع ما ورد في الدستور الإيراني في مادته الرابعة والخمسين بعد المئة "تعتبر جمهورية إيران الإسلامية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل حقا لجميع الناس في أرجاء العالم كافة، وعليه فإن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم"، لتَبيّن وتَوضّح أن هذه الدولة لا يمكن الوثوق بها، ولا بد من وضع كل القيود والضوابط للحد من خطورتها على عالمنا المعاصر.