كتبتُ في الأسابيع الماضية عن جوانب من حزب الله في دعم الإرهاب وإثارة الفتن الطائفية في الدول العربية، وعن تعاون أعضائه مع تجار المخدرات في أوروبا وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وإفريقيا ولبنان وغيرها لتمويل أنشطته المتعددة، وتخفيف الأعباء عن الخزينة الإيرانية التي تقدم له دعماً مالياً كبيراً، بالإضافة إلى الدعم العسكري اللوجستي والاستخباراتي.

ولكن هل لإيران وحزب الله علاقة عضوية مع تنظيم القاعدة أيضاً؟ وهل كان لهما دور في تنفيذ هجمات 11 سبتمبر 2001؟ حاول بعض الصحفيين في الماضي، وبعض أسر ضحايا تلك الهجمات، إلصاق تهمة دعم القاعدة بالمملكة العربية السعودية، خاصة أن (15) من (19) إرهابيا نفذوا تلك الهجمات عثر معهم على جوازات سعودية. ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل، وحكمت المحاكم الأميركية ببراءة المملكة من تلك التهم.

ولكن المحاكم الأميركية أثبتت هذا الشهر علاقة إيران وحزب الله بتلك الهجمات وكشفت عن علاقات بين إيران والقاعدة بدأت في فترة التسعينات واستمرت. ففي 9 مارس 2016، أصدرت المحكمة الفدرالية في نيويورك حكماً بتغريم إيران (10.5) مليارات دولار بسبب ضلوعها في اعتداءات 11 سبتمبر 2001 التي نفذها تنظيم القاعدة ضد مركز التجارة العالمية في نيويورك. وخصصت المحكمة (7.5) مليارات لأسر الضحايا، في حين خصصت (3) مليارات لشركات التأمين.

فبعد نحو 15 عاماً من المحاكمات، توصلت المحكمة الفدرالية إلى أن إيران وحزب الله قدما "دعماً مادياً مباشراً" لتنظيم القاعدة لتنفيذ تلك الهجمات، وأنهما بذلك يتحملان المسؤولية القانونية عن الأضرار التي لحقت بالمئات من الأسر التي رفعت هذه القضية، ومنهم أسر ضحايا مركز التجارة العالمية وطيارو الطائرات التي استخدمها الإرهابيون في الهجوم.

وفي الحكم الذي يقع في (53) صفحة، استندت المحكمة إلى شهود وأدلة عديدة، تدين إيران، وذكرت بالاسم القائد الأعلى للثورة علي خامنئي، ورئيس إيران وقت وقوع تلك الهجمات، والحرس الثوري الإيراني، ووزارة الاستخبارات والأمن، وحزب الله، الذي وصفته المحكمة بـ"وكيل إيران للإرهاب".

ومن ضمن الأدلة التي جاء ذكرها في الحكم تقرير الهيئة الفدرالية التي شكلت للتحقيق في أحداث 11 سبتمبر، بالإضافة إلى شهود قدموا شهادتهم للمحكمة تحت اليمين، من ضمنهم ثلاثة شاركوا في إعداد تقرير الهيئة، واثنان من ضباط الاستخبارات الأميركية السابقين، وصحفيان، وخبير بشؤون الإرهاب الإيراني، وثلاثة موظفين سابقين في الحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية.

ومن ضمن وسائل الدعم التي قدمتها إيران للقاعدة في تنفيذ هذه العمليات تهريب مقاتليها وتسهيل انتقالهم من إيران إلى معسكرات التدريب في أفغانستان، وإخفاء زياراتهم إلى إيران نفسها أو أفغانستان لتسهيل حصولهم على تأشيرات إلى الولايات المتحدة. أما بعد تنفيذ تلك العمليات فقد ساعدت إيران – حسب حكم المحكمة – قادتها وأعضاءها على الهروب من أفغانستان وإعطائهم ملجأ آمناً في إيران لتفادي الوقوع في يد قوات التحالف في أفغانستان.

وفي شهادته أمام المحكمة، قال الموظف السابق في الحرس الثوري عبدالقاسم مصباحي إنه كان جزءاً من فريق مهمته تصميم خطة سُمّيت بـ "لهيب الشيطان" تتضمن هجوماً غير تقليدي على مركز التجارة العالمي والبنتاجون والبيت الأبيض باستخدام طائرات مدنية، وإن العملية تم تفعيلها خلال الأسابيع القليلة السابقة لهجوم 11 سبتمبر. وشهد مصباحي كذلك بأن إيران اشترت في عام 2000 نظام محاكاة لطائرات بوينج 757-767-777 لتدريب الإرهابيين عليها، وهي نفس نوعية الطائرات التي استخدمت لاحقاً في الهجوم.

واطلعت المحكمة على مذكرة رسمية داخلية توضح معرفة كبار المسؤولين الإيرانيين بتلك الخطط، وتأكيدهم على السرية في التعامل مع القاعدة وحصره في التواصل بين عماد مغنية (أحد كبار قادة حزب الله) وأيمن الظواهري (الرجل الثاني في القاعدة). وتوضح وثائق من المدعي العام الألماني قدمت للمحكمة أن منسق الهجمات (رمزي بن الشيبة) كان على تواصل مع إيران منذ يناير 2001 خلال سفراته إلى أفغانستان عن طريق إيران. ويشير حكم المحكمة إلى أن عماد مغنية ومساعديه كانوا مسؤولين عن التنسيق بين أعضاء الهجمات، وأن مغنية اصطحبهم معه عدة مرات بين بيروت وإيران.

وأوضح محامو الدفاع، بالاستعانة بالشهود والخبراء، أن إيران وحزب الله والقاعدة بدؤوا في تشكيل تحالفهم منذ أوائل التسعينات الميلادية، متجاوزين خلافاتهم المذهبية، وأن إيران وحزب الله قاما بتدريب القاعدة على استخدام المتفجرات، خاصة تلك المخصصة لتدمير المباني الضخمة، وأن هذا التحالف نجح في تنفيذ العديد من العمليات الكبيرة، مثل الهجوم على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، والهجوم على السفينة الحربية الأميركية (يو إس إس كول) وغيرها.

ويأتي حكم المحكمة الفدرالية في هذه القضية بعد عدة قضايا حكمت فيها المحاكم الأميركية ضد إيران لضلوعها في دعم الإرهاب، ومن ذلك حكم محكمة فدرالية أخرى عام 2014 بتغريم إيران (2.65) مليار دولار تعويضاً لأسر الجنود الذين قتلوا في هجوم نفذه حزب الله عام 1983، بدعم مباشر من إيران حسب قرار تلك المحكمة، ضد مقر قوة (المارينز) الأميركية في بيروت، وقد حاولت بعض الدوائر الرسمية الأميركية أحياناً ثني المحاكم عن النظر في مثل هذه القضايا لأنها قد تعرقل مسيرة المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، إلا أن المحاكم استمرت في عملها وحكمت للمدعين بالحصول على تعويضاتهم من الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الأميركية.

وتأتي هذه الأحكام القضائية لتُظهر العلاقة الوثيقة بين إيران وحزب الله والقاعدة. فهل تكشف الأيام عن علاقة مماثلة مع تنظيم داعش أيضاً؟ وهل يتم التعاون مباشرة مع هذا التنظيم، أم من خلال القاعدة؟