أدرج قاضي محكمة نيويورك الجزئية جورج دانليز المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي كمتهم ثان، بالإضافة إلى حزب الله (الإرهابي) كمتهم ثالث في تفجيرات 11 سبتمبر، والتي اتهم فيها أسامة بن لادن قبل مقتله كمتهم أول في تنفيذها. وبحسب ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط اللندنية أكد قاضي محكمة نيويورك أن المدعين قدموا أدلة مقنعة بتورط النظام الإيراني وحزب الله بتمويل تنظيم القاعدة الإرهابي قبل وبعد 11 سبتمبر، وأن المدعين قدموا أدلة مقنعة إلى المحكمة تفيد بأن إيران قدمت الدعم المادي والموارد لتنظيم القاعدة لأعمال الإرهاب.

إن القضية الرئيسية ليست إجبار إيران على دفع تعويضات مالية لضحايا الحادثة بقدر ما تكون هذه الوثائق والشهادات بمثابة رأس الخيط الذي سيكشف مزيدا من تورط إيران في عمليات إرهابية في المنطقة والعالم، في الوقت الذي نجد فيه طهران تحاول إبعاد التهمة عنها من خلال اتهام دول خليجية بتمويل الإرهاب بهدف شيطنة هذه الدول أمام الرأي العام الغربي وإلصاق تهم الإرهاب بها.

والسؤال هنا لماذا تأخرت الولايات المتحدة في إخراج كل هذه الحقائق؟ بل إن السؤال الأهم هل ستستمر واشنطن وشقيقاتها في أوروبا في فتح صفحات الإرهاب الإيراني، وكشفها أو أننا بحاجة إلى بعض الوقت على الأقل إلى حين مغادرة حكومة أوباما وتغيير طاقم البيت الأبيض؟

من المعلوم أن إيران احتضنت قيادات القاعدة وعناصرها وسهلت تحركاتهم وقدمت الدعم اللوجستي والاستخباراتي لهم بطرق مختلفة، كما أن الوثائق ومراجعات بعض قيادات القاعدة مثل "سليمان أبوغيث" تؤكد على تجنب التنظيم توجيه أي انتقادات أو حملات إعلامية تجاه إيران، ناهيك عن محاولة استهدافها كما فعلت في العديد من الدول في المنطقة والعالم، على الرغم من أن القاعدة كانت تحيط بإيران من 3 جهات (باكستان، أفغانستان والعراق).

إن كثيرا من العرب مقتنعون تماما بالتنسيق "القاعدي" الإيراني لسببين رئيسيين: أولهما العدو المشترك، وثانيهما لتظهر إيران كدولة تحارب الإرهاب القادم من الآخر السني، هذا بالنسبة لطهران، أما للقاعدة فبهدف الحصول على تسهيلات استخباراتية ولوجستية تحمي عناصر التنظيم وتضمن سلامة تحركاته.

الواقع يقول إن لغة الغرب تجاه الإرهاب الإيراني والميليشيات الشيعية التي تدعمها في العراق وسورية ولبنان لا تزال خجولة وناعمة. فتصرفات الغرب مع الأسف الشديد شجعت إيران على التمادي في دعم الإرهاب. عندما يتم سرد قرابة 70 عملية إرهابية تورطت فيها إيران بشكل مباشر طيلة الـ37 عاما الماضية كما تعترف إيران رسميا بتدريب 200 ألف مسلح في المنطقة، ثم مع هذا كله تتجاهل القوى الكبرى هذه الحقائق والاعترافات وتتهم دولا أخرى بدعم الإرهاب دون تقديم أي دليل، بل اعتمادا في الغالب، على ما يروج له الإعلام وأتباع طهران في الغرب، فهذا يعني أن هناك مشكلة عظيمة تحتاج إلى وقفة جادة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار وليقدم الصورة بطريقة مختلفة هو: ماذا ستفعل الدول الغربية فيما لو قامت دول سنية بفعل ذلك؟ وماذا لو ظهر قيادي عسكري خليجي رفيع على نمط ما يقوم به قاسم سليماني ليدرب الجماعات المسلحة على حدود إيران أو العراق؟ هكذا ينظر كثيرون للتخاذل الغربي في تعريف الإرهاب ومحاربته دون النظر إلى المذهب أو الدين أو العرق.

تلحظ الدول والشعوب السنية التي تشكل قرابة 90 %‏ من العالم الإسلامي مدى تجاهل الغرب للإرهاب الإيراني الشيعي، وهذا قد شجع بعض المجتمعات على الانخراط في صراع طائفي لحماية نفسها من الميليشيات المدعومة من إيران التي تقتل على الهوية، وبخاصة في عراق ما بعد الاجتياح الأميركي في عام 2003.

نحن في المنطقة العربية نقول لا نريد التعاطف الغربي بقدر حاجتنا إلى تسمية الأشياء بأسمائها وملاحقة من يمول ويدعم الإرهاب ويسهل له تحركاته ويخطط له عملياته ويقدم له الدعم الاستخباراتي واللوجستي. لقد أصبح تعريف الإرهاب لدى الغرب طائفيا بالدرجة الأولى. هناك توجهات سياسية غربية واضحة في نظرتها للإرهاب وتصنيفاته، وهذا الأمر يجعل شعلة الصراع متوقدة، ولا سيما أن البعض ينظر لهذه التصرفات الغربية عبر عدسة المؤامرة وإغماض العين عن نوع من الإرهاب والتركيز على آخر. يفترض أن ينظر للعمل وليس من قام به، وهذا لم نجده سوى في الإعلام الغربي أو في تصريحات المسؤولين وخطبهم.

خلاصة القول، إن ثبوت تورط إيران في أحداث نيويورك الإرهابية قد يشجع دولا بمطالبة إيران بتعويضات جراء تشويه سمعتها طيلة الـ15 سنة الماضية، والأهم قد يقود إلى إعادة فتح ملفات كثير من قضايا الإرهاب الذي شهده العالم منذ 1979، فمن خلال قراءة الشواهد والأدلة من زاوية، لم تكن ربما حاضرة في أذهان المحققين، قد يتم فهم بعض قضايا الإرهاب التي لا تزال مفتوحة أو أغلقت دون التوصل إلى نتائج مقنعة.