ما زالت الصورة حاضرة في ذهني بألوانها وأصواتها وتفاصيلها المتناهية في اللاأهمية.. منذ ما يقارب التسع عشرة سنة كنت طفلة ذات سبع سنوات أكرر إزعاج أمي الشابة وقتها، رحمها الله، وهي تلف حبات السمبوسة، ورائحة خبز التنور تدغدغ أنفي في أجواء رمضانية خالصة.

ويأتيني صوته.. كثيفا كالعسل، منمَّقا متوازن النغم كلاعب سيرك يسير على وتر فلا يهوي أبدا، مهيبا كمنارات دمشق التي أتى منها ليزرع صوته في بلده فيكبر الصوت في القلوب والذاكرة.

ماجد الشبل، ذاك الوجه الندِّي بالحنان والوقار، بعينيه الصافيتين إلا من الحلم، وقامته الممتدة المهذبة ببذلة سوداء غالبا وغترته التي يتدلى أحد طرفيها على كتفه النحيلة في مظهر تميز به وهو يقدم برنامجه الشهير (حروف).. وأنا أقف أمام التلفاز مبهورة بالأضواء الحمراء والخضراء التي تسطع وتخفت، بالأسئلة والمتسابقين، وبذاك صاحب الصوت الجميل الذي يقف على طرفٍ يواصل السؤال وأواصل أنا طفلة السابعة إرهاف سمعي لنبرته الحالمة.

هكذا أذكر ماجد الشبل، وهكذا ودعته لأنه لم يظهر مجددا بعد ذاك الموسم، اختفى كنجم حزين وراء غيوم الليل.. بصمت وجلال يليقان بماجد.. لكنني حفظته في داخلي تذكارا غاليا من الطفولة وبقيت على وصالٍ مع سيرته وأعماله المؤرشفة من أوفياءٍ أحبوه فحفظوا أعماله.

ماجد الشبل ليس فقط وجها وضيئا ومذيعا تنتهي مهمته مع انتهاء دقائقه الإخبارية، بل كان روحا آمنت بالكلمة والأدب وحلاوة القصيد، روحا شغوفة بالإبداع والإعلام فنفثت الحياة في زوايا الأذهان والذائقة.

رحل شبل الشاشة، ترك وراءه صوته وصورته وقصائد تسأل أين ذاك الأمير الذي تلاها مرارا بنغمه، وميكروفون وحيد يبكي فراق ماجد.

وتركني أنا أعزي تلك الطفلة التي عَرَفَته منذ سنوات، وأراها ترسله في ودائع الله تدعو أن يتطيب بعطر الجنة وأن يلبس بياضا فردوسيا مع أمها والأحبة السابقين إلى الله. وداعا ماجد.