عند دراسة وتحليل اهتمامات وتركيز الأجيال المتعاقبة، نجد أن هناك اختلافات جذرية بين اهتمامات جيل الأجداد عن اهتمامات الأجيال التي بعدها مثل جيل الآباء، وجيل الأبناء، وجيل الأحفاد، وحقيقة الأمر أن هناك أمورا وجوانب مختلفة أسهمت، بل فرضت تنوعا واختلافا في هذه الاهتمامات من جيل لآخر، بعضها يعود لطبيعة الأفراد، والبعض الآخر يعود لعدد من العوامل الاجتماعية، والبيئية، والاقتصادية، والأمنية.

فمن عاصر جيل الأجداد ومن سبقهم أو قرأ سيرهم، وتاريخهم يجد أن تركيز أفراد هذا الجيل يركز على ما يعرف بـ"الرفقة"، أو الرفقاء، أو من يرافقهم في حياته اليومية، فرفيقه الذي يعيش معه، أو يسكن بجواره من أهم مكونات المجتمع لديهم في ذلك الوقت، فهم يحرصون على أن تكون رفقتهم مبنية على أسس واضحة، ووفق أعراف اجتماعية سائدة، فالفرد في ذلك الوقت يحرص على استمرار الرفقة مع رفقائه أو جماعته، لأن ظروف الحياة ومتطلبات ذلك العصر تتطلب أن يكون الفرد في منظومة اجتماعية لكي يستطيع أن يعيش في أمن وأمان، وأن يحصل على ما يحتاجه من غذاء، ففي الماضي البعيد كان عدد أفراد المجتمع قليلا، وكان هناك خوف، وقتل، ونهب، وسلب، والضحية في ذلك الوقت في الغالب يكون من لا رفيق، أو لا رفقاء له، ولكن عندما يكون الفرد في رفقة مجموعة من الأفراد في المجتمع تكون له هيبة يستمدها من هيبة مجموعته، أو رفقته، ويعيش في ظلهم، وتحت حمايتهم، وكان يقال في الماضي "من لا رفيق له يأكله الذئب"، ولذلك تركيز جيل الأجداد كان منصبا على مفهوم، أو مصطلح الرفقة في المجتمع بشكل كبير مقارنة بالتركيز عليها في هذه الأيام التي قد لا تتعدى الرفقة مصلحة عابرة، وبعدها لا يتم الاهتمام بهذا الجانب، وكان الناس في عصر الأجداد يحتاجون البعض، ولا يستغنون عن بعضهم في جميع جوانب الحياة التي كانت صعبة جدا.

أما جيل الآباء فقد يختلف اهتمامه عن جيل آبائهم، أو عن جيل الأجداد؛ حيث كان التركيز أو الاهتمام بأعضاء الأسرة، أو بالأشقاء، أو بالأقارب بدرجة أكبر عنها عند الأجداد، وذلك نتيجة لتحسن الأوضاع الاجتماعية، والأمنية إلى حد ما، ولتزايد عدد أفراد الأسرة الواحدة، وللتعاون، وللألفة والمحبة التي بين أفراد الأسرة الواحدة، التي لا يمكن خلالها أن يستغني الأخ عن أخيه، ولذلك نجد أن جيل الآباء قريب من إخوانهم، وأخواتهم بشكل واضح، وبينهم تكاتف، وتواصل أسري قوي جدا، وعاش كثير من أفراد الأسرة الواحدة مع أسرهم في بيت واحد، وعملوا على إلحاق بعض أبنائهم وإخوانهم الصغار بمدارس التعليم غير النظامي مثل الكتاتيب، والنظامي في بداياته، وتركيزهم على إخوانهم، وأخواتهم، ولم يهملوا الرفقة، ولكن بدرجة تركيز أقل من آبائهم (الأجداد).

وعند الحديث عن جيل الأبناء فقد يأخذ النقاش مسارا مختلفا إلى حد كبير، فنجد أن كثيرا من جيل الأبناء يجمع بين اهتمامات آبائهم، واهتماماتهم الخاصة بهم، ولكن التركيز والاهتمام عند الأبناء يكون منصبا على أطفالهم، والاهتمام بتربيتهم بشكل متوازن، وبتعليمهم وتشجيعهم على التحصيل العلمي، وبتوفير الغذاء، والكساء لهم، وتعويدهم على الاعتماد على أنفسهم بالرغم أن ظروف الحياة كانت قاسية إلى حد كبير، فتعلم بعض الأبناء، والبعض الآخر التحق ببعض الوظائف المدنية، والعسكرية التي كانت متاحة في ذلك الوقت، والمجتمع محظوظ بجيل الأبناء، حيث يتصف هذا الجيل بالجدية، والإنتاجية، والحرص، وهذا الجيل لديه خبرات مختلفة من خلال مروره بمراحل حياتية مختلفة فقد عاصر الحياة القاسية والصعبة وتعايش، وتكيِّف معها، وعاش الحياة التي بها نعمة، وتوافر للمتطلبات، ولكنه يقدر ذلك، ولا ينسى الماضي، ويعتبره دروسا استفاد منها في حياته، وبذلك فجيل الأبناء عاش مخضرما بين شظف العيش وقساوته، وبين توافر المتطلبات الحياتية، وكان منتجا بدرجة كبيرة.

أما جيل أبناء الأبناء أو الأحفاد فقد عاشوا في ظروف تتوافر فيها جميع مقومات الحياة، وتعلموا تعليما نظاميا، ولكنهم لم يعانوا كما عانى آباؤهم (جيل الأبناء)، ولم يتلقوا دروسا عملية من ظروف الحياة، بل عاشوا في ظل آبائهم، معتمدين بشكل شبه كلي على أسرهم، ولذلك هذا الجيل له خصوصية في نهجه، وتعامله، واهتمامه، ففي أغلب الأحيان لا تكون لهم اهتمامات خاصة قبل الزواج وتكوين أسرة، ولكنه بعد الزواج نجد أن اهتماماته وتركيزه أغلبهم يكون موجها لزوجته بالدرجة الأولى، ولا يهتم بالعوامل الأخرى، أو الأشياء المحيطة به، فالزوجة قد تكون هي المسيطرة، وهي التي تأمر، وتنهى، وهو مجرد منفذ، ولا يكون لأغلبهم أي كلمة في الأسرة وفي شؤونها، وبعضهم قد يفضل زوجته على أمه، وينفذ أوامر زوجته، ويتجاهل متطلبات، أو طلبات أمه.

وعند الحديث عن أبناء الأحفاد فقد يكون الوضع مختلفا عن الأجيال السابقة، وفي الغالب أن اهتماماتهم مختلفة جذريا عن اهتمامات الأجيال السابقة، فأغلب أفراد هذا الجيل يهتمون بأنفسهم بالدرجة الأولى دون غيرهم، ولا يهتمون بالآخرين، وذلك لأنهم يعيشون في ظروف لا يحتاجون فيها لأحد، ولديهم ما يحتاجونه متوافر وبشكل قد يزيد على حاجتهم، ولذلك لا يهتمون إلا بأنفسهم، وهذا الجيل (جيل التقنية، وأجهزة التواصل الاجتماعي)، من وجهة نظري على الأقل جيل أناني، ويختلف عن الأجيال التي تسبقه في كثير من الاهتمامات.