ظهر الأمير محمد بن سلمان، يستمد من روح المستقبل ليسخرها لعالم الحاضر، وينزل الفكر واقعا معاشا ومحكيا، يتداوله البسيط في فكره قبل المثقف العميق، وهذه القدرة والكفاءة قلة من البشر يملكها، ولي ولي العهد ابن بيئته، وتواضعه يطغى عليه خلال مجالسته ومخالطته لمجتمعه.

"لقد كنت في حالة ذهول، لا أستطيع التعبير كيف كان اللقاء معه مريحا للغاية. يرى محدودية الإيرادات أمامه، وبدلا من الهلع، يبدأ في البحث عن فرص إستراتيجية. رؤيته للمجتمع السعودي هي أنه قد حان الوقت لنعطي الأقلية أقل والأكثرية أكثر"، هذا الوصف الدقيق جاء من سيناتور أميركي قضى أكثر من 24 عاما في أروقة السياسية الأميركية، وقبل ذلك خدم في القوات المسلحة للطيران الأميركي، فقد تأكدت الأخبار أن هذا الأمير الاستثنائي له رؤية تعبر كثيرا عن طموحات جيله، وتمتزج بروح معاصرة تتطلع إلى تغيير الفكر البيروقراطي والتقليدي، وبسط فكر اقتصادي منتج، يتطلع العالم إلى معرفة أسراره.

لقد بسط شيئا من أفكاره التطلعية خلال برنامج التحول الوطني، فقد خطط وهو وفريق عمله بكل هدوء لإعادة هيكلة شاملة للحكومة والاقتصاد السعوديين، بهدف تحقيق ما يسميه "أحلام جيله المختلفة" لمستقبل ما بعد الكربون.

وفي 25 أبريل، كشف ولي ولي العهد، "الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية"، واتضحت خطته التاريخية التي تشمل تغييرات اقتصادية واجتماعية واسعة، من بينها إنشاء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، يمتلك أصولا بقيمة أكثر من 2 تريليون دولار، أي ما يكفي لشراء كل من شركات آبل، وجوجل، ومايكروسوفت، وبيركشاير هاثاواي، أكبر 4 شركات في العالم.

لقد خطط ولي ولي العهد لعملية اكتتاب عام يمكن أن تبيع "أقل من 5%" من شركة أرامكو السعودية، والتي ستتحول إلى أكبر كتلة صناعية في العالم. وسيقوم الصندوق بتنويع أنشطته في أصول غير نفطية، مما يضمن عدم اعتماد المملكة التام على النفط في الإيرادات.

ومن الناحية الفنية، ستجعل التحركات الإنشائية من الاستثمارات مصدر دخل أساسي للحكومة السعودية، وليس النفط، مما يعني أنه لن يكون هناك اعتماد اقتصادي كامل على النفط.

هذا التوجه الفكري العميق والرؤية المتجذرة في آفاق المستقبل، وذلك المفعم بروح الشباب وعصرية السرعة لم يفقده أي شيء من حكمة الكبار، إذ أقر في المقابلة التي أشغلت خبراء الاقتصاد العالمي، أننا "لا نريد ممارسة أي ضغط على المواطنين، بل نريد الضغط على الأثرياء"، وهذه عبارة لا يقولها إلا من فقه وخبر عالم الاقتصاد العالمي، إذ إن الأثرياء هم من يتحكم في عالم اليوم، فوضع حجر الأساس في فهم عمق أغوار السياسة الاقتصادية واقتصاد السياسة.

لذا، فإن السياسيين الغربيين عندما أطلقوا على هذا الأمير الاستثنائي سيد كل شيء Mr. Everything، فإنهم كانوا على علم بقدرة وكفاءة الأمير ورجاحة عقله الرامي إلى أبعد من الوصول إلى فضاءاتنا الخارجية، فرؤيته التفاؤلية ممزوجة بحكمة ورثها من آبائه وأجداده، وهو ليس حالما بل يعيش واقعا، ويعي بكل رجاحة عقل أن الإشكالات كثيرة جدا، إلا أنه يُقرر في مقابلته الشهيرة ويقول: "إن الفرص التي لدينا أكبر بكثير من المشاكل"، وهذا هو الفهم الحقيقي لرؤية المستقبل وتفعيل روح العصر لاكتشاف الحلول واستغلال الفرص، والإعراض عن التوقف عن النظرات السوداوية وقذف الحجج الواهية أمام طرق وفرص النجاح الكثيرة والواسعة في رؤية وفكر 2030.