أربعون قصيدة ضمها ديوان "أكثر من ذاكرة"، الصادر عام1437، الذي يقع في 126 صفحة، للشاعر "محمد عابس" تنوعت بين الكلاسيكية والحديثة، تناولت مواضيع مختلفة، ما يؤكد اشتغاله على إشكالية العنّونة، إذ تَقصّد إشغال "المُستقبِل" في العتبة الأولى – العنوان – وهذا ما يلمسه قارئه، إذ اتكأ على الإشكالية في عنوانه ليحث فضول قارئه على معرفة مآلاته وما يضمره، وقد يتوافق معه أو يختلف. يقول "جيرارجينيت" العنوان ليس عنصرًا منفردًا، بل هو مجموعة مركبة من العناصر المتداخلة التي تكوِّن بمجموعها الجهاز العنواني.

مكاشفة

يفتتح الشاعر باب التساؤل على مصراعيه في أول ذاكرة في ديوانه، فلا يهتم بشكل القصيدة ومسمياتها، كلاسيكية كانت أم حديثة، ما يهمه هو المضمون الذي يشتغل عليه لسحب قارئه إلى مدونات ذاكرته، ليبث صوره الشعرية التي التقطتها عين روحه من محيطه بكل ما فيها من حزن وبقايا فرح، ففي نص "سؤال" يرصد صور الإنسان المأزومة وأغلبها تدل على حجم المواجع الذي لا يُحتمل:

" ما الذي يُشعلُ الضحكةُ البكر في الأعينِ النائمةّ!؟

طفلةٌ، صرخةٌ

أم تراتيلُ جمرٍ سرتْ في الدماءْ

للعصافير إذْ ما ارتمتْ في الحقولِ غناء؟

لهفةُ العُشِّ للغُصنِ، في رحلةٍ للبقاءْ."

انتماء

تتكشّف مواقف الشاعر من خلال تعالقه الروحي مع الأمكنة، ما يدلّل على تأثير سلطة المكان عليه وظهورها الواضح في كثير من نصوصه وتباهيه به، فذكر وطنه، والحرمين الشريفين، ودلالة قدسيتهما ورمزيتهما ومكانتهما العليا، ففي نص"قِبلةُ الإيمان" يقول:

"الحبُّ في مهدِ الرسولِ وراثةٌ

والسلمُ في راياتِه العُليا كمَنْ

الحبُّ يبني المعجزاتِ لشعبِنا

والسلمُ مرسومٌ على صدرِ الوَطنْ

يا قبلةَ الإيمانِ، دُمتِ سنيةً

تهفو إليك الروحُ يشتاقُ البدَنْ"

وفي نص "يوم الوطن الموعود" إشارات صريحة إلى الانتماء للأرض والتمسك بها، واعتزازه بوطنه:

"سُبحانَ من أسرى بِحُبِّكَ في دمي

فتسابقت آيات مجدك في فمي

وطني حَملتكَ في فضائي سورةً

من فيضِها دانَ الزَّمانُ لمُلْهِمِ"

ثيم المواجع

ثيم القهر والوجع والصراع بنوعيه الذاتي والخارجي مسيطرة على النصوص كون الشاعر لا ينفصل عن واقعه وهو لسان حال الناس، ففي نص "برد" لم يكن البرد الذي أفصح عنه الشاعر بمعناه الاصطلاحي، فهو يؤكد على برد الروح الذي يشلّ ويفكك العلاقات الإنسانية:

" له الأبواب مشرعةٌ

بلا إذنٍ  بلا موعدْ

يدبُّ بليلِ أوردتي

ويبحثُ في ظلامِ العظمِ

عن بيتٍ يواري فيهِ سوأته".