أعجبتني كثيرا فكرة لجوء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى السوشيال ميديا للخروج بنفسه وببلده من أزمة لا تحمد عقباها، كادت أن تقع في حال نجح الانقلاب الذي قادته مجموعات صغيرة من الجيش وانتهى خلال ساعات.

في ذلك الظرف الخاص والتوقيت العصيب، اهتدى الرئيس إلى تلك الفكرة التي خاطب فيها الشعب عبر برنامج "سكايب" بالنزول إلى الساحات والحفاظ على الشرعية والتجربة الديموقراطية المكتسبة، وهي الخطوة الأهم التي أفضت للسيطرة على زمام الأمور، خصوصا مع إحكام الانقلابيين على المؤسسات الإعلامية في البلد، وعلى رأسها التلفزيون التركي الذي أعلن بيان الجيش بالإطاحة بالرئيس وحكومته.

جزئية بسيطة –ربما لم يلتفت لها الكثيرون في مثل ذلك الموقف- كانت سببا رئيسيا في نجاة الرجل والبلاد بأكملها من سيناريو مخيف حال استمر أو نجح ذلك الانقلاب، وتمكن في الاستفادة من تلك التجربة في مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على أمور الحياة بشكل عام، وكيف لها أن تغير موازين الأمور في لحظات.

من جهة أخرى فإن أبرز الملاحظات عن تلك الحادثة، هو النضوج الفكري لدى قادة أحزاب المعارضة التركية أولا، والذين تداعوا سريعا لرفض فكرة الانقلاب، وشمروا الأيادي للدفاع عن الوطن بعيدا عن المناكفات والمواقف المحسوبة على الرئيس وحزب العدالة والتنمية المسيطر على مقاليد الحكم في البلاد منذ سنين.

ثقافة الانقلابات لا يمكن القبول بها أيا كان شكلها، وتاريخ تركيا مليء بتلك الأحداث الدرامية التي أطاحت بقيادات سابقة للبلاد، وهو ما عزز لدى الكثيرين إمكانية نجاح التجربة مع الساعات الأولى لبدء التمرد، إلا أن الوعي السياسي والشعبي للنخب المختلفة ذات الصلة بالعملية السياسية في تركيا أسهم إسهاما كبيرا في الإطاحة بذلك المخطط الذي كان سيدخل البلد في دوامة لا قرار لها.

أحزاب المعارضة العلمانية ذات العداوة التاريخية مع الإسلاميين على وجه العموم، ومع إردوغان كشخص، كانت أول الرافضين للانقلاب، وهو ما مثل استفتاء شعبيا عاجلا للفئة المعارضة الأخرى المتواجدة في صفوف الشعب التركي، للتدخل السريع والوقوف إلى جانب الشرعية المنتخبة رئاسة وحكومة، والتي كان مجيئها عبر صناديق الاقتراع.

مشهد جمالي آخر من واقع الحادثة التركية تمثل في نزول الملبين لنداء الرئيس إردوغان بأعلام تركيا -فقط- إلى كافة المناطق والميادين، حاولت جاهدا البحث عن صور للرجل -صاحب النداء- وسط كل تلك الأحداث التي نقلتها مختلف قنوات العالم، بيد أن صورة العلم فقط كانت حاضرة، وترفرف في مختلف الميادين التركية.

نعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء بعيدا عن المشهد التركي، وتحديدا إلى أرض الكنانة مصر ونستذكر معاً اليوم الذي تمت الإطاحة فيه بالرئيس السابق محمد مرسي من قبل الجيش المصري، حيث دعا الرجل الناس للنزول إلى الميادين للدفاع عن شرعيته، لكن الرجل وقنواته التابعة للإخوان كانت تنادي بشرعية "مرسي" فقط، فيما كان المشهد التركي مختلفا تماما، حيث خاطب إردوغان الشعب للنزول إلى الساحات للدفاع عن الوطن ومكتسباته.

فارق الثقافات لعب دورا مهما بين المشهدين، إضافة إلى فارق جوهري مهم والمتمثل في سيطرة الإخوان على كل مفاصل الدولة والتصفيات المخيفة التي قام بها مسؤولو التنظيم تجاه رموز النظام السابق، إضافة إلى إدارتهم السيئة للبلد بشكل عام، وكل تلك العوامل مجتمعة لم تترك للشعب خيارا آخر سوى المضي قدما خلف الخطوات التي اتخذها قادة الجيش المصري.