أن تكون وزيرا لخارجية المملكة العربية السعودية فهذا ليس بالأمر الهين ولا بالسهل؟ أما لماذا؟ فلأن التركة التي خلفها رجل الدبلوماسية الأول الفقيد الراحل الأمير سعود الفيصل كبيرة على أي شخص يمكن أن يرثها، وليس لأحد أن يحمل أثقالها إلا إذا كان بمواصفات خاصة، وبميزات تؤهله لمواصلة مشعل القيادة والريادة في واحدة من أهم وزارات المملكة.

ما ألحقه الجبير في بروكسل بمسؤول إيراني، حين كان يلقي محاضرةً الثلاثاء الماضي في معهد "إيجمونت" ليس بالجديد على الرجل الذي عرفت عنه الحكمة في الحديث، والهيبة في الصمت، وكما أسلفت فإن من يخلف بروفيسور الدبلوماسية لا بد أن يستنسخ حكمة سلفه السياسية، ويتشرب من تجربة سنوات طويلة له، أكسبت المملكة إرثا دبلوماسيا يختلف عن مآثر الآخرين.

الجبير أعطى للحاضرين والمتابعين معلوماتٍ مفصَّلة وسلسة عن دعم طهران للإرهاب على مدى عقود، بل إنه قدم دلائل ثابتة عن علاقة النظام الإيراني بتنظيم القاعدة ودعم طهران المباشر للإرهاب، بيد أن أجمل ما في حديث معالي الوزير الدقة في التوصيف، والسلاسة في الإلقاء، ومخزن المعلومات الذي لا ينضب، وهو ما يؤهله للحديث المتواصل دون أن يشعر الحاضرون بالملل، وهذه الصفات ربما يتذكرها جيدا الدارسون في مجال الإعلام.

وفي نفس السياق أتساءل عن إعلامنا الخارجي، ومدى تأثيره والدور الذي يلعبه في نقل وجهة نظر المملكة في الدول الأخرى!

في أحيان كثيرة تجبرنا المواقف على التساؤل حول أهلية العاملين في الملحقيات الإعلامية لسفاراتنا بالخارج، ومدى ما يكتنزونه من خبرات وتجارب واطلاع في الشأن السعودي للرد على التخرصات والتكهنات التي تطالعنا بها الصحافة الأجنبية في كل فترة. ومدى تأثيرهم والدور الذي يلعبونه في إعلام الدول التي يعملون بها.

ولكي نحسن من دور إعلامنا الخارجي هناك شرطان أساسيان لذلك، اختيار خبراء أكفاء للعمل في السفارات، والأهم من ذلك أن يكونوا على اطلاع شبه يومي على مستجدات السياسة السعودية وتوجهاتها عبر نشرات خاصة من وزارة الخارجية.

ومع أن الإعلام يشكل الحلقة الأهم في تقاطعات العمل الدبلوماسي وعلاقته بالجهات الخارجية، بيد أن الضعف الواضح في هذا الجانب يترك أثره بقوة في المواقف الخارجية، التي تتبناها بعض الدول عبر أجهزة إعلامها المختلفة، والتي يقف حيالها مسؤولو الإعلام في سفاراتنا دون أية ردة فعل، وهو ما يفاقم من تأثير تلك التوجهات على السياسة العامة للمملكة.

أعود للتذكير مجددا بأن الخطوات الثابتة التي يخطوها معالي الوزير عادل الجبير تستند في الأساس إلى العديد من العوامل، في طليعتها ذكاء الرجل والكياسة التي يتمتع بها، والكاريزما المميزة التي تجعله قويا أمام خصومه، إلى جانب كل ما سبق فإنه لا بد من الإشارة إلى حقيقة ربما لا يدركها الكثيرون، وهي أن الرجل كان متحدثا لبقا إبان فترة توليه مهمة الناطق الرسمي لسفارة المملكة في الولايات المتحدة الأميركية قبل أن يصبح سفيرا لها.

ولا شك أن تجربة الرجل كناطق رسمي لأهم سفارات المملكة في العالم، أكسبته تلك الحرفية في الأداء الإعلامي بحسن الإنصات أولا، ثم الرد القوي المزلزل الذي يترك أثرا في الخصوم، ويحول قواعد المواجهة بسرعة لمصلحته ويسحب البساط عن المنافس بقوة الكلمة وحقيقة المعلومة، وهذا مران إعلامي مهني يدرس في الكثير من الجامعات التي تعنى بتدريس الإعلام.

وعودا على ذي بدء فإن الحقائق التي أطلقها الجبير في وجه المسؤول الإيراني كانت محل حديث الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي لسهولة الطرح وتلقائية الرد، وهو ما ينقص الكثير من مسؤولي الإعلام في العديد من سفاراتنا حول العالم، ونتيجة لهذا الخلل الواضح فإن الهجوم للماكينات الإعلامية الغربية يزداد يوما بعد يوم ويحتاج إلى معالجة فورية لتلك الثغرة.

ومهما بذلنا من جهود دبلوماسية وعززناها بشبكة واسعة من العلاقات الدولية فإن كل تلك الجهود يمكن أن تذهب سدى مع متحدث ضعيف غير فطن، فالإعلام اليوم أصبح الواجهة الحقيقية لكثير من المنظومات العالمية وعلى وجه الخصوص الإعلام الغربي، وتعامله حيال العديد من الملفات والقضايا على المستوى الداخلي والخارجي، بل إن تأثير الإعلام الغربي أصبح اليوم أكثر نفوذا وتأثيرا، ويمكن للمتتبع الجيد لمواقع التواصل ملاحظة ذلك بسهولة، حيث نجد كثيرا من المغردين يتناقلون الأخبار عن مصادر ووكالات إعلام غربية قبل المحلية.