حرصت إيران على إيجاد موطئ قدم لها في اليمن منذ وقت مبكر، وحشدت قواتها، وكثفت خبراءها، وأنفقت في سبيل ذلك أموالا طائلة، وجاءت "عاصفة الحزم" لتقضي على تلك الأحلام، وتبعثرها في زمن وجيز، إلا أن طهران لم توقف تدخلاتها السياسية والعسكرية، وظلت تتحرك في كل الاتجاهات، وجعلت سفارتها خلية تجسس لتنفيذ أجندتها، ولم يكن مستشاروها بعيدين عن إدارة مشاورات جنيف1 وجنيف2، ومشاورات الكويت الأولى والثانية، التي باءت جميعها بالفشل، لحرص الانقلابيين على تنفيذ توجيهات وتعليمات طهران.

ولم تكتف طهران بإجهاض المشاورات فحسب، بل واصلت تدخلاتها السالبة عبر سلسلة من المؤتمرات والندوات، لمضاعفة تدخلها في اليمن، وسعت إلى تشويه صورة التحالف العربي لدعم الشرعية. وكان آخر حلقات تدخلها في الشأن اليمني إقناعها طرفي التمرد، جماعة الحوثيين الانقلابية وفلول المخلوع صالح، بعقد جلسة لمجلس النواب اليمني المحلول، الذي سارع رغم عدم اكتمال النصاب إلى إقرار ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، وكان حضور القائم بأعمال السفارة الإيرانية في اليمن لاحتفال تسليم السلطة اعترافا بذلك التدخل السالب. وهو ما أبرزه مساعد الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والإفريقية، حسين جابري أنصاري، الذي وصف قرار المجلس بأنه "قانوني ويحظى بالاحترام".




تخطيط مبكر

وصف الباحث في الشؤون الخليجية والخبير في السياسة الإيرانية عدنان هاشم، تدخل إيران في الملف اليمني بأنه كبير، وقال "الحلم الإيراني ظل موجودا لإعادة الإمبراطورية الفارسية التي قضى عليها الإسلام، وطهران تريد اللعب على الوتر الديني الطائفي، وتحاول التأثير على سياسة المملكة المعتدلة، وتسعى إلى فرض سيطرتها على المنطقة، واستغلت الظروف التي حدثت في بعض الدول العربية عقب ما سمي بالربيع العربي للعب دور سياسي سلطوي على تلك البلدان، واستغلت أحداث اليمن الأخيرة ودخلت منذ وقت مبكر في المشهد، ولا تريد لليمن واليمنيين تحقيق السلام، ولذا تريد أن تبقى الظروف مشتعلة داخل اليمن، ليكون مصدر قلق للسعودية ودول الخليج".

وأضاف هاشم "إيران تسعى من كل ذلك لأن تقول لدول المنطقة والخليج إن الحلول لديها، ولا بد من العودة إليها في كل صغيرة وكبيرة، وأن تجعل من نفسها القائد والمسيطر على زمام الأمور، لذلك حرضت الحوثيين على عدم التجاوب مع محاولات إقرار السلام، بدءا من مشاورات جنيف وحتى مشاورات الكويت، وكان مستشاروها يشرفون بشكل مباشر على المشاورات، ويزودون الوفد الحوثي بالمعلومات والاستشارات وما يجب عليهم فعله، عبر خبراء مختصين يحرصون على البقاء قريبا من أماكن المشاورات.




وفد صوري

مضى هاشم قائلا "هناك شخص لبناني يتبع لحزب الله وكان يعمل بالسفارة الإيرانية في صنعاء، يدعى ناصر أخضر، كان يقوم بالترتيبات منذ عام 2011، وأشرف على إرسال البعثات لإيران، ونفس هذا الشخص هو الذي كان يتولى التنسيق بين الحوثيين والمستشارين الإيرانيين خلال مشاورات الحل السياسي". واختتم تصريحاته بالقول "الوفد الحوثي الذي يحضر المشاورات في الخارج صوري فقط، ومن يتخذون القرارات الفعلية هم المستشارون الذين ترسلهم إيران، ومن بينهم لبنانيون، وليس خافيا أن الدور الإيراني لم يقتصر على تحريض الانقلابيين فقط، بل إن هناك خبراء عسكريين يتولون قيادة معارك الحوثيين على الأرض، وتدريب العناصر الانقلابية، وإطلاق الصواريخ والقذائف على أراضي المملكة، وهذا أمر ثابت ومعلوم، سبق أن أعلنته المقاومة الشعبية والجيش الوطني في أكثر من مناسبة".