تابعت الثلاثاء الماضي الثاني من أغسطس 2016 جلسة مجلس الأمن التي تمت فيها مناقشة تقرير الأمم المتحدة حول الأطفال في مناطق النزاعات والحروب، وشدني ما جاء في كلمة مندوب المملكة العربية السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة سعادة السفير عبدالله المعلمي، خاصة الجزء التالي: "السيد الرئيس عند الحديث عن ضحايا النزاع من المدنيين في اليمن ينبغي أن نستذكر أن ميليشيات الحوثي المتمردة قد قامت بتحويل العديد من المدارس والمستشفيات إلى ثكنات عسكرية، واستخدمت الآلاف من الدروع البشرية، وزرعت عشرات الآلاف من الألغام متسببة في قتل الأطفال وتشويههم وترويع المدنيين، كما قامت بالهجوم ضد حدود وأراضي بلادي متسببة في مقتل أكثر من 500 مدني، ونزوح الآلاف من السكان وتدمير العديد من المباني المدنية بلغت 23 مدرسة وأكثر من 1700 منزل و75 مبنى حكوميا، بما في ذلك مستشفيات ومرافق صحية، وقد تسببت هذه الهجمات المتكررة في تعطيل الدراسة وإغلاق المدارس، مما عرقل عملية التعليم للآلاف من الطلبة، ومنذ اتفاق وقف الأعمال القتالية في العاشر من أبريل 2016 قامت ميليشيات الحوثي وحلفاؤها بأكثر من 1700 خرق ضد حدود المملكة وأراضيها، وأطلقت أكثر من 20 صاروخا باليستيا، مما تسبب في سقوط العديد من الضحايا من المدنيين".

فعلا كنت أصغي وأنا في شدة الدهشة والغضب! دماء سعودية تراق ولا نعلم عنها شيئا! من هم؟ ما أسماؤهم؟ هل هنالك أيتام؟ هل هنالك أرامل؟ هل هنالك شيوخ؟ ليس لدينا سوى أسماء أبطالنا الذين سقطوا شهداء وهم يدافعون عن الأرض والعرض! ولكن... أليس من سقط من المدنيين شهداء؟ أليس لهم حق علينا أن نقف على الأقل على أحوال أسرهم، على منازلهم، على ممتلكاتهم التي دمرت؟ وأين إعلامنا؟ لماذا لم يتحرك ويتفاعل، فكل واحد منهم بالنسبة لنا بألف روح وألف جسد! نعم منهم من يتابع بكل مهنية وإصرار قضايا محورية ومهمة للمجتمع وللوطن وللأمة، ولكن ماذا عن البقية؟! عذرا فربما أولمبياد ريو أهم أو ربما المساكين مشغولون بإجراء تقارير أو مقابلات مع الفنانين والفنانات لمعرفة آرائهم في القضايا الاجتماعية والفنية والثقافية والسياسية فوق البيعة! أو قد يكون الأمر أنهم مشغولون بحرب "سايبرية" والتراشق بين شخصيات معروفة من مدارس فكرية مختلفة يُزَجَّ في رحاها بالجهلة من العامة لحمل الراية والهجوم بشراسة على كل أتباع الجهة الأخرى! فهل سمعنا عن إعلاميين سقطوا على أرض المعركة ضحايا رصاص، عفوا كلمات تم حملهم على إثرها إلى أقرب مشفى لإجراء الإسعافات الأولية وعمليات القص واللصق وإعادة الإخراج، حتى إن بعضهم خسر قلما أو ميكرفونا أو شاشة، بل وصل الأمر إلى أن منهم من خسر الآلاف من المتابعين... يا للهول!

يا سادة هنالك من خسر روحه، خسر أباه، أمه، زوجته، ابنه، حفيده وربما أسرته! مواطنون من المملكة العربية السعودية، وهل يجب أن أفسر لكم ما تعنيه هذه الكلمات لكل وطني شريف يحرص ويقدر كل قطرة دم من دماء أبناء بلده! لم أرَ مقابلة واحدة من إعلامي واحد مع أحد أفراد تلك الأسر! لم يمر عليّ تقرير صحفي مرفق بالصور لأبناء أو أسر الضحايا! لم أسمع بحملة شعبية لمساعدتهم كما سمعت ليل نهار عن الحملات غير الرسمية من أجل سورية! والذي يقهر فعلا مما سمعناه أن الكثير من المساعدات التي جمعت، وبالتالي فشعب بلادي، المعروف عنه أنه شعب تحركه المشاعر والنخوة، فيهب عند أول نداء للإغاثة، من يجب أن ألومه، وهذا ما أفعله هنا، هو إعلامنا الذي تقاعس عن نقل هذه المعلومات إلينا.

إن شعبنا الكريم لم يفوت مناسبة إلا وطالب بها المساندة والمؤازرة لأبطالنا البواسل على الثغور! حملات تطالب بتخفيض أو تجميد الديون، وحملات تطالب بأولوية تسجيل أبناء الشهداء، وحملات بتوظيفهم، وحملات لتوفير السكن لأسرهم، وحملات بالدعاء لهم وإرسال الرسائل التي تؤكد لهم أنهم في قلوبنا وفكرنا، بعد هذا هل يمكن أن يشك أحد بما يمكن أن يفعله هذا الشعب العظيم لأهله من المتضررين على الحد الجنوبي! لقد ذكر سعادة السفير المعلمي أن أكثر من 1700 منزل دمر، وهذا يعني أن أكثر من 1700 أسرة شُردت! أعلم أن الدولة لن تقصر في التعويض، ولكن أعلم أيضا أن لدينا شبابا متطوعا مستعدا أن يعيد بناء هذه المنازل متى ما أعطي الفرصة لذلك، على الأقل يبدأ بالتخطيط والتجميع والاستعداد، فلماذا تم حرمانهم من ذلك؟ لماذا يا إعلامنا؟ لقد خذلتموهم قبل أن تخذلونا! وماذا عن النازحين؟ فحسب سفيرنا تم نزوح الآلاف من السكان، إلى أين؟ فإن كان إلى مراكز إيواء لماذا لم يقم إعلامنا بنقل صور ما يجري لنا حتى يشارك أبناؤنا في زيارتها وتقديم المساعدة، قد لا تكون عينية لأن الدولة لن تدعهم يحتاجونها، ولكن معنويا حتى يعلم النازحون أننا معهم وسنكون معهم إلى أن يعودوا إلى مناطقهم ومنازلهم سالمين، بإذن الله.

لقد تعبنا من المذهبية وكل أشكال التعصب التي ضربت عصب هذا الوطن الغالي، ورغم أننا وقفنا صفا واحدا بعد كل مأساة كان المتسبب الإرهابي يهدف إلى تفرقتنا من خلالها، إلا أن خيوط هذه الفتنة ما زالت تلتف حولنا وتظهر بوضوح على شبكات التواصل الاجتماعي! إن تفاعلنا وتعاضدنا مع إخوتنا في الحد الجنوبي لأكبر فرصة ندعم من خلالها قوة الصف الواحد أمام المحن! إننا بحاجتهم أكثر من حاجتهم إلينا. فالشكر كل الشكر لسفيرنا الفاضل بأن أوصل إلينا بدقائق ما تقاعس إعلامنا عن إيصاله بشهور!

سيدي الفاضل معالي السفير عبدالله المعلمي، نقدر لكم كل ما تقومون به من أجلنا، فأنت صوتنا في أهم محفل عالمي تدافع من على منبره عن بلادك، عن كل فرد منا بكل مهنية وحنكة وحزم. سيدي الفاضل لقد وصلت رسالتك، فهل من يحملها من إعلامنا ويصل بها إلى بقية أبناء الوطن؟