تقول المصادر إن بلادنا أعدت مؤخرا خطة مفصلة للمستوى المستهدف لقدرة توليد الكهرباء من المصادر المتجددة في عامي 2020 و2032 ستضعها في مصاف أكبر 5 دول منتجة للطاقة الشمسية في العالم. هل هذا ممكن حقاً؟ بالتأكيد ممكن، فليس هذا أول هدف نضعه نصب أعيننا ويتحقق على الأرض.. فشركة مثل سابك عملاق الصناعات المعدنية كان مستهدفا لها أن تصبح من أهم 5 شركات من نوعها في العالم، وقد حدث، وأرامكو كذلك، لكن يبقى السؤال: ما الذي أخرنا طول هذا الزمن والعالم يتحرى أشعة الشمس في كل بقعة من الأرض ليجني منها المليارات في الأميركتين والصين حتى أصبحت لأشعة الشمس سوق عالمية تنعقد وتنفض منذ عقود ونحن خارجها؟ إن كان واردا أن يتأخر بعض الملفات فملف مثل ملف الطاقة الشمسية ما كان له أن يتأخر كل هذا الوقت في بلد حتى عهد قريب كانت تعيش كل صيف مأساة كبرى اسمها انقطاع التيار الكهربائي وطوفان الأحمال الذي لم يكن في مقدور الشبكات أن تصمد أمامه. أيضا حل هذه المشكلة كلفنا مليارات ثمن محطات التوليد، ومليارات أخرى تكلفة تشغيلها، فضلا عن استهلاك كميات مهولة من مخزون المستقبل النفطي في تشغيلها، في وقت تتعامد فيه على بلادنا أشعة شمس كافية لتشغيل مبردات العالم وليس مبردات بلدنا وحسب، ولم يكن الأمر سيكلفنا سوى التفاتة جادة إلى الطاقة الشمسية، كنز بلادنا المفقود الذي توجهت إليه أخيرا.

ولا أعرف لماذا لم يتوجه العاملون إلى إنتاج الطاقة في بلادنا على رفع إستراتيجيات واضحة للقيادة مبكرا بهذا الخصوص، وسكتوا على هذا الهدر في المال والطاقة طوال العقود الماضية؟ فلا أظن أبدا أنني أول من كتب في هذا الأمر، فمنذ أكثر من 10 سنوات كنت أقرأ هنا وهناك لبعض المتخصصين بهذا الشأن. وقبل نحو عقد من الزمان كنت أقرأ أخبارا عن بضع بلديات بدأت بالفعل استغلال الطاقة الشمسية على نحو محدود في إنارة الأعمدة أو ما شابهها، ما يعني أن الفكرة قائمة قولا وفعلا، فقط المسؤولون عن صناعة الطاقة في بلادنا لم يعيروها الاهتمام اللازم، رغم أنهم أعلم منا جميعا بالهدر الاقتصادي المخيف الذي يتسبب فيه إنتاج الكهرباء بالطرق التقليدية عن طريق المحطات العملاقة، بعدما أشارت تقديرات عالمية إلى وصول معدل الاستهلاك اليومي للمملكة من النفط ومشتقاته في 2013 إلى حوالى 3.1 ملايين برميل، مضاف إليها استهلاك غاز يعادل حوالى 1.9 مليون برميل نفط، وبذلك يصبح إجمالي الطاقة التي استهلكتها المملكة في اليوم حوالى 5 ملايين برميل نفط عام 2013، مع الأخذ في الحسبان تقدير تزايد الاستهلاك بنسبة لا تقل عن 7% سنويا. فلا أعرف حقيقة أين كان مسؤولو الطاقة في بلادنا أمام هذه الأرقام التي إن كانوا سمعوا بها فهذه مصيبة، وإن لم يسمعوا بها فالمصيبة أعظم، لكن ما من شك في أنهم سمعوا بها بالطبع، فهذا من صميم عملهم، فلماذا صمتوا وثروات بلادنا تهدر على هذا النحو، والضباب يغطي أفق المستقبل، ونحن نعتمد على مصدر طاقة قابل للنضوب؟ لماذا الآن فقط نبدأ؟ لماذا لم يكن هذا قبل عقد أو عقدين أو ثلاثة؟ كان بوسعنا الآن أن نكون أحد أهم اللاعبين في سوق الطاقة الشمسية في العالم بعد تغطية نسبة جيدة من احتياجاتنا تكفل حفظ مخزوناتنا من النفط والغاز. أعلم أن البكاء على اللبن المسكوب لن يفيد، وأعلم أنه إن أتيت متأخرا خير من ألا تأتي، لكن هذه كلها تبقى عبارات مضللة في مثل هذه الحالة، لأنها تفوت علينا فرصة ذهبية للوقوف أمام أنفسنا ومراجعة أفكارنا وتوجهاتنا في كثير من المجالات التي تعيش هدرا موازيا، حتى نكتسب ثقافة جديدة، هي ثقافة الرؤية المستقبلية التي بدأت هي الأخرى مؤخرا منذ الإعلان عن الرؤية الوطنية 2030.

ولعل السؤال المتبقي فيما يخص ملف الطاقة الشمسية يتعلق بما أعلنه المركز الدبلوماسي للدراسات الإستراتيجية بالكويت من أن دول مجلس التعاون الخليجي يمكنها تحقيق عوائد تصل إلى 200 مليار دولار سنويا من دمج خطط ومشاريع الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. إذ ورد في ثنايا الخبر ما يفيد بأن المملكة لن تتصدر هذا المشهد، وأنها قد تحل ثانيا أو ثالثا، لا أدري، فالتقرير لم يوضح سوى أصحاب المركز الأول في وقت نمتلك نحن فيه حصة الأسد من المقومات الطبيعية والاقتصادية، والمركز الأول في الاحتياجات أيضا. كذلك يتناقض هذا التقرير مع التقديرات الأخرى القائلة بأننا سنكون ضمن أهم 5 دول منتجة للطاقة الشمسية في العالم، فأي التقريرين نعتمد؟ ما يجعل الحاجة ماسة إلى الإفصاح رسميا من قبل مسؤولي الطاقة في بلادنا عن التطورات بهذا الخصوص، ووضع جدول زمني يبين الحقيقة من الوهم، ليس من أجل الطاقة الشمسية وحسب، لكن أيضا من أجل الشفافية، فهي لا تقل أهمية عن الطاقة الشمسية، إن كنا نتطلع إلى المستقبل بجدية، حتى نضمن شراكة المواطن الذي أتصور أن بوسعه أن يكون له دور بتعميم فكرة استخدام الخلايا الشمسية في توليد الطاقة داخل المنازل، وتحفيز المواطنين عليها، حتى تكون الطاقة النظيفة ثقافة وأسلوب حياة، وحتى يكون المواطن شريكا حقيقيا، لا مشاهدا حائرا لا يعرف أين الحقيقة.