ما تمنيت لنفسي ولا لوطني في يوم من الأيام، أن تصلني رسالة مثل التي وصلتني من نادي فولهام الإنجليزي، شأني شأن جميع أصحاب المنازل المجاورة للنادي، يعتذرون عن "المخلفات" التي تركتها جموع السعوديين الذين احتفلوا في شوارع المدينة المتاخمة للنادي، إثر مباراة السوبر التي جمعت فريقي الهلال والأهلي، ويقدمون لي دعوة مجانية لحضور إحدى المباراتين المقبلتين لنادي فولهام، من باب تطييب الخاطر عن الأضرار التي ألحقها مواطنونا بالمكان.

جميل أن نحتفي بالرياضة شأن جميع الأمم، جميل أن نفرح ونحتفل، لكن أن نهدر سمعة أوطاننا، ونلصق بها مثل هذا السلوك أمام الأمم، فهذا ما يدعونا إلى مراجعة شاملة ومواجهة جادة بشأن مدى جاهزيتنا فعلا لإقامة مثل هذه الفعاليات خارج المملكة؛ فلا أظن أن مكاسب الرياضة السعودية من وراء عقد هذه اللقاءات في الخارج، مهما بلغت، ستعوضنا عن تلك الخسارة الحضارية الفادحة في نظر شعب كالشعب الإنجليزي.

من المؤكد أن مثل هذا الموقف لن يمر بالنسبة إليه مرور الكرام، ومن المؤكد أيضا أن مثل هذا السلوك من جمهور المباراة سيترك لديه عشرات الانطباعات والمفاهيم والتساؤلات التي لن ترضينا، بل ستخجلنا إلى حد الشعور بالعار، وحديثي هذا سيفهم مغزاه جيدا من عايش هذه الشعوب، وعاين سلوكها فيما يتعلق بشؤون النظافة والنظام العام وغيرها، فالمشهد بالنسبة إليهم أقرب إلى سيناريو كارثة أخلاقية تستوجب الاعتذار عنها، وهو ما أقدموا عليه بالفعل، بل وجدوا أنه يستحق أن يعوضوا الناس عما لحق بهم من أضرار بدعوتهم إلى إحدى مباريات النادي المقبل، لكن مع فارق أنها ستكون مباراة دون "مخلفات"؛ لأن جمهورها مختلف، جمهور تعني له النظافة والحفاظ على المرافق العامة الكثير.

كم هو مؤلم في النفس، أن يتحدث المرء مثل هذا الحديث، لكن الاعتراف بالمرض يبقى الخطوة الأولى لعلاجه، والتي من دونها لا أمل في هذا العلاج. علينا أن نعترف بأن لدينا مشكلة كبيرة مرشحة لأن ترقى إلى مستويات كارثية، فيما يتعلق بشأن النظام العام والنظافة، ولست في حاجة لأشير إلى ممارسات على شاكلة إلقاء علب المشروبات الغازية من نوافذ السيارات في الطرق أثناء القيادة، وتنظيف طفايات سجائر السيارات في المواقف وعلى الأرصفة، وغيرها من الممارسات التي تجسد حالة من التجاهل العام –وربما عدم الإدراك- لقيمة النظافة، الأمر الذي يستوجب منا حملة وطنية لمجابهة هذا المرض الاجتماعي الخطير الذي اعتدنا وجوده في مجتمعنا، دون أن تنكره أو تعافه عيون كثير منا –مع بالغ الأسف- لكن الأمر بالنسبة إلى شعب آخر تربى على قيم مختلفة استوجب اعتذارا قويا لجيران النادي.

إن بلادنا لديها من المتاعب ما يكفي بشأن الصورة الذهنية بالغة السوء التي يسعى كثير من أعدائنا وذيولهم ومأجوريهم في صحف العالم ووسائل إعلامه لإلصاقها بنا، وطوال الوقت نتحدث إلى جميع من نعرفهم من أصدقائنا في إنجلترا وغيرها من دول العالم بهذا الخصوص، لتنقية كثير من الشوائب التي تشوه صورتنا أمامهم، وكثيرون منهم يتفهمون هذا الأمر، ويستجيبون لنا، ويستوعبون فكرة أن هناك من يتعمد الإساءة إلى المملكة وتشويه صورتها على مستوى جميع الصعد، لكن ماذا نقول لهؤلاء الآن ونحن متلبسون بهذا السلوك اللاأخلاقي المشهود؟ بماذا نفسر لهم الفوضى والقاذورات التي خلفتها جموع جماهيرنا في شوارعهم؟ بماذا نفسر لهم دعوة نادي فولهام التي تحكي حالة ورطة كبيرة وجد النادي نفسه فيها من جراء وجودنا، استوجبت هذا الاعتذار، وهذه الترضية لجيرانه؟ إننا بمثل هذا السلوك نقدم سمعتنا وصورتنا الذهنية هدية على طبق من فضة لكل من يريد شرا ببلادنا، ليفعل بها ما يشاء، ويشوهها وفق ما يتراءى له.

أسئلة كثيرة تتركها مثل هذه الواقعة بين أيدينا، أبرزها: هل إلى هذا الحد فقدنا إدراكنا قيمة النظام والنظافة؟ هل إلى هذا الحد لا نشعر بالمسؤولية عن سمعة بلادنا وصورتها أمام العالم؟

إن علينا مسؤولية كبيرة تجاه هذه الأجيال التي يبدو أن قطاعا غير قليل منها يتصرف بمجانية، ودون أدنى شعور بالمسؤولية، فضلا عن أنه يفتقر إلى أدنى المقومات التي تمكنه من أن يعيش تجربة حضارية سواء داخل بلاده أو خارجها.

وإن كنت أتألم كثيرا لصورتنا التي طالها قدر واسع من التشويه أمام شعب أظن أنه يهمنا كالشعب الإنجليزي، إلا أنني في الوقت ذاته أتألم أكثر لأن يكون هذا سلوك أبنائنا أصلا، فمن المؤكد بداهة أنني لا أريد أن نبدو متحضرين أمام العالم، وفوضويين في شوارعنا ومرافقنا العامة.

ما أتطلع إليه وما نحتاجه بإلحاح بعد هذه التجربة وغيرها من التجارب المشابهة، أن نعيد النظر في تربية هذه الأجيال على احترام الآداب العامة، وإلا فعلينا أن نتوقع الأسوأ، وحتى ننتهي من القضاء على هذه الظواهر المشينة، وهو أمر سيستغرق سنوات بالطبع، علينا أن نعيد النظر في مسألة إقامة مثل هذه الفعاليات خارج المملكة، حتى نكون مؤهلين لها.