الأصل في كل معركة يمكن أن يخوضها بلد إسلامي أن تكون ضد أي كيان معاد للإسلام أو لوجود هذه الدولة، ولأنني لست من أهل الفتوى فلن أتحدث من الجانب الشرعي عن كون الجمهورية الإيرانية تخوض – باستفزازاتها ومساعيها العدائية ضد بلادنا، بلاد الحرمين الشريفين- حرباً ضد الإسلام من عدمه، رغم كونها جمهورية أعلنت نفسها إسلامية، وتدعي دائماً أنها تدير جميع مناوشاتها ومعاركها من أجل الإسلام، لكن ما تدعيه إحدى الدول شيء، وما تمارسه على الأرض شيء آخر، فلا أعرف دولة أضرت بالإسلام في عصرنا الحديث بقدر ما أضرت به هذه الجمهورية "الإسلامية"، شأنها شأن كيانات كثيرة تخوض معارك في هذا العالم باسم الإسلام، مثل ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي نال من صورة الإسلام بين أمم العالم ما فشل أعداء الإسلام الظاهرين المعلنين أن يحققوه على مدار عقود مضت، وقبله تنظيم القاعدة الذي خرجت وجوه داعش القبيحة من رحمه، وغيرهم من أهل ملة الإرهاب الذين يبرأ الإسلام والمسلمون إلى الله منهم.

ولقد كان هذا شأن الخوارج على مدار التاريخ؛ يدّعون خوفهم على الإسلام ودفاعهم عنه، ثم يسيئون إلى الإسلام وأهله إساءات بالغة يدفع الجميع ثمنها، تماماً مثل ما تسمى بالجمهورية "الإسلامية" في بلاد فارس، الكيان الذي منذ إعلانه واستفزازاته لجميع جيرانه المسلمين لا تتوقف. حرب طويلة مع العراق، ثم صفقة هيمنت من خلالها الجمهورية الإيرانية على مقدرات العراقيين بعدما أصبح العراق دولة ممزقة شبه مدمرة فقدت جميع أسباب الاستقرار والرخاء، ثم احتلال لجزر دولة الإمارات العربية، ثم فتن وقلاقل جعلت من الاستقرار في الجمهورية اللبنانية الشقيقة سراباً بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، ثم أخيراً فتنة عارمة وانقلاب على الشرعية في دولة اليمن الشقيقة، في مسعى لابتلاع اليمن واتخاذه جبهة لزعزعة الاستقرار في المملكة، فضلاً عن مساعى الفتنة بين طوائف المجتمعات الآمنة المستقرة في البحرين واليمن بدعوى حماية الأقليات الشيعية، التي لا نعرف ولا يعرف العقلاء منها أي خطر يواجهونه في أوطانهم التي يعيشون فيها أعزاء مكرمين شأنهم شأن بقية المواطنين حتى تدعي إيران أنها تدافع عنهم، ثم بعد دفاع إيران المدَّعى هذا ما الذي حصلنا عليه نحن وهم سوى فتن كنا في غنى عنها، قبل أن تظهر دولة الملالي في المشهد وتنفخ في كل نار ممكنة حتى تشعل المنطقة بأسرها، وتجعل منها دولاً ضعيفة مفتتة ممزقة تديرها من خلال ذيول لها في كل بلد من بلدانها اشترت ولاءهم بدعاوى باطلة، وبالمال أحياناً.

إن بلادنا المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن –طيب الله ثراه- لم تعرف لها عدواً سوى الاحتلال الإسرائيلي الذي سيبقى العدو الأول والأكبر لبلادنا، والذي واجهه المؤسس بالاعتراض على وجوده في المنطقة لدى زعماء العالم خلال لقاءاته بهم آنذاك، ثم بالمشاركة في جميع الحروب العربية التي خاضتها الأمة ضد هذا الكيان السرطاني، ثم بالدفاع عن الحق الفلسطيني في جميع المحافل الدولية، ثم بدعم الأشقاء الفلسطينيين سواء من خلال جامعة الدول العربية أو من خلال المساعدات المباشرة المقدمة لهم من المملكة، واحتضانهم هنا على أرضها، إلى أن يأتي اليوم الموعود، ويستردوا أرضهم ووجودهم من براثن دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ولم يكن في حسبان المملكة منذ تأسيسها أن تخوض حرباً ضد بلد إسلامي، أو هكذا يفترض، في يوم من الأيام، لكنْ ما عسى بلادنا أن تفعل في مواجهة هجمة شاملة على وجودها، واستهداف عدائي معلن من ملالي إيران يتسترون وهم يخوضونه بعباءة الإسلام وبدعوى حماية حقوق الشيعة، وتحت هذه العباءة يعمل العِرق الفارسي ضد كل وجود عربي، وليس أدل على ذلك من مساعي إيران المستميتة إلى وصف الخليج العربي بالخليج الفارسي وتعميم ذلك على خرائط العالم، وغيره من مشاهد العنصرية الفارسية التي أخمدتها القرون الماضية، ثم عادت دولة الملالي لتشعلها من جديد، فأي مصلحة للإسلام في مثل هذه المعارك والمناوشات التي لا تتوقف دولة الملالي عن إشعال دوائرها لإغراق المنطقة بها؟ وأي إسلام هذا الذي تدعيه الجمهورية الإيرانية وهي رأس كل فتنة في المنطقة؟ وما الذي كان في وسع بلادنا أن تفعله في مواجهة حرب فرضت عليها إلا أن تخوضها؟ فهل يفترض بنا أن نسلم حدود بلادنا ووجودها لكل عابر فقط لأنه يرفع شعار الإسلام؟.

إن الشعارات وحدها لا تكفي حتى نحكم على جمهورية أو دولة ما بأنها إسلامية، إذ تبقى خدمة الإسلام والمسلمين والتأليف بينهم وجمع صفوفهم وتوحيدهم ومساعدتهم آية هذا الإسلام ودليل وجوده إن كان موجوداً من الأساس، وليس عباءة يرتديها أحدهم ليدير بها معارك أبعد ما تكون عن الإسلام.

هناك من يقول إن هذه المعارك التي جرّت الجمهورية الإيرانية دول المنطقة إليها، تستنزف هذه الدول، وتشغلها عن إدارة ملفاتها التنموية على الوجه الذي يلبي مصالحها ويبني مستقبل أجيالها، ويخدم الإسلام، فإذا كانت إيران الآن بهذا العداء الذي ترفع راياته من حولنا في كل مكان تقف حجر عثرة في وجه هذه التنمية، فأي عداء للإسلام أكبر من هذا؟ ثم ماذا كان يفترض ببلادنا في مواجهة هذه الحرب التي دقت طبولها على حدودنا في طريق زحفها إلينا إلا أن نخوضها؟!