أصدرت منظمة Social Progress Imperative الأميركية، التي تهتم بقياس التقدم الاجتماعي في مختلف دول العالم من الناحية الاجتماعية، دراستها لهذا العام 2016، والتي شملت 133 دولة. تهتم المنظمة بقياس مدى جودة ما تقدمه الأجهزة الحكومية والمؤسسات لمواطنيها من خدمات متنوعة في الصحة والتعليم والسكن والترفيه والصناعة والتجارة والأمن والسلامة المرورية والنقل والمحافظة على البيئة، وغيرها من الخدمات التي تصب جميعها في مدى كفاية الحاجات الأساسية للمواطنين. وضمن قائمة الدول الأكثر تقدما من الناحية الاجتماعية في الدراسة، كانت فنلندا في المرتبة الأولى، تليها كندا ثانيا والدنمارك ثالثا وأستراليا رابعا وسويسرا خامسا والسويد سادسا والنرويج سابعا وهولندا ثامنا وبريطانيا تاسعا، وفي المرتبة العاشرة تقاسم بين أيسلندا ونيوزيلندا. أما على مستوى الدول العربية فكانت الإمارات في المرتبة الـ39 والكويت في المرتبة الـ45، أما السعودية ففي المرتبة الـ65.

لست هنا بصدد المقارنة بيننا وبين هذه الدول، ولكن السؤال: لماذا وصلنا لهذه المرتبة؟ هل السبب هو أن وزاراتنا وبعض أجهزتنا التنفيذية تعاني ضمورا في ميزانيتها بسبب الوضع الاقتصادي الحالي؟ في الواقع ليس التراجع المؤلم هو التراجع الاقتصادي، ولكن التراجع الحقيقي والمشكلة الملحة يتبديان في موقف المسؤول من المواطن. فالدول المتقدمة يهتم مسؤولوها بابتكار كل الطرق الجديدة لتحسين الخدمات من أجل راحة المواطن ورفاهيته، أما معظم الدول النامية فيهتم مسؤولوها بابتكار الطرق الجديدة في تحصيل الأموال وتكريس البيروقراطية. ولعل هذه الأخبار المنشورة في وسائل الإعلام خلال هذا الأسبوع شاهد حي على ما نقول.

الخبر الأول: وزارة العمل، تستعد لإطلاق برنامج "نطاقات المساندة"، وذلك لدعم المنشآت الراغبة في تحسين موقعها في نطاقات والحصول على خدمات الوزارة، من خلال دفع مقابل مالي نظير النقاط المطلوبة يبدأ من 3600 ريال بحد أقصى 9000 ريال للموظف الافتراضي، بمعنى تحقيق نسبة التوطين بمقابل مادي وبدون توظيف سعوديين.

الخبر الثاني: وزارة الصحة تدرس تحميل شركات التأمين قيمة خدماتها العلاجية عند إسعاف مصابي الحوادث المرورية.

الخبر الثالث: وزارة التعليم تستعد لإطلاق مشروع تأجير الأراضي التي تملكها والزائدة عن حاجتها، وفي المناطق التي لديها اكتفاء من المدارس الحكومية للمستثمرين والمستثمرات في قطاع التعليم الأهلي وفق الضوابط المنظمة لذلك. السؤال: كيف يمكننا أن نحقق مركزا مرموقا في هذا التصنيف بهذه الأخبار؟

في الواقع، هذه الدراسة وغيرها التي تعملها بعض المنظمات العالمية وفق مؤشرات القياس للأجهزة الحكومية والمؤسسات الهدف منها هو ترسيخ ثقافة الانضباط وتقييم الأداء، وتحفيز الإنتاجية، ومحاسبة المقصرين من أجل تحقيق الأهداف لحماية المواطن.

نحن في المملكة ليس هناك ما ينقصنا كي نكون الأفضل، لكن بشرط الكفاءة الإدارية للمسؤول التنفيذي، وهو الأساس في إحداث التغيير في قطاعات التنمية، وهو الأمر ذاته الذي كان يحول دون تمكننا من إغلاق ملف الكثير من الأزمات التنموية، وبالرغم من توافر الموازنات فإن تعامل الجهات الحكومية التقليدي معها، وعدم الاهتمام بوضع حلول دائمة لها، هو الأمر الذي يتسبب في استدامتها، واستمرار المعاناة للمواطن.