فيما تحل الذكرى الـ" 36 "لحرب الخليج الأولى بين النظام الإيراني تحت حكم  الخميني، وبين نظام صدام حسين السابق بالعراق، نتيجة نزاع حدودي بين البلدين، أسفرت عن قتل أكثر من 2 مليون نسمة من الجانبين، لم تعط تلك الحرب دروساً للنظام الإيراني كي يتجنب محاولات التدخل في شؤون المنطقة تارة أخرى، بل ازددات وتيرة الإرهاب المصدر من طهران وشمل عدة دول عربية، تغلغلت من خلالها قوات - مايعرف - بالحرس الثوري في العراق وسورية، فضلا عن ميليشياتها الطائفية في لبنان المتمثلة في حزب الله، وغيره من الفصائل.

وعلى الجانب العراقي، فقد شهد العراق موجة إفلاس شبه كاملة بعد خروجه من الحرب، الأمر الذي دفعه إلى احتلال الكويت عام 1990، ونتج عنها حرب تحرير الكويت عام 1991، ثم تهاوى العراق تحت طائلة العقوبات الدولية المفروضة عليه، حتى انتهى به الأمر إلى الغزو الأميركي عام 2003، لينتج عن ذلك فوضى طالت معظم أرجاء المنطقة، وظهور تنظيمات متطرفة كداعش وغيرها، فضلا عن تفاقم فتيل الأزمة الطائفية وتمدد إيران في معظم مفاصل الدولة العراقية.


 فشل الإستراتيجية

فشل النظام الإيراني في تصدير الثورة الإيرانية للخارج سواء عن طريق القوة وأعمال العنف، كما فشل النظام الإيراني في تنفيذ شعار حرب حتى النصر مع العراق، كذلك فشلت طهران في سعيها لإنشاء فكرة الجامعة الإسلامية بديلا للجامعة العربية، وفشلت في تأمين الثورة الإيرانية في الداخل، وحماية نظام الحكم الديني. واضطر الخميني حينها لقبول وقف إطلاق النار وحل النزاع مع العراق، على أساس قرار مجلس الأمن رقم 598؛ كما فشل النظام الإيراني في تأمين مكانة عالية، ومركز مؤثر لإيران في الشرق الأوسط.


تدمير الاقتصاد العراقي

على الصعيد العراقي، فإن الحرب خلفت دمارا كبيرا على الاقتصاد الوطني، وأغرقت العراق في الديون، إلى جانب الدمار البيئي والكوارث الإنسانية، وتدمير البنية الأساسية، وإزالة غابات النخيل.

كما أدى القصف المتبادل بين الجيشين إلى تدمير المنشآت النفطية والصناعية المهمة بما في ذلك مناطق تصنيع النفط والحقول البحرية في الخليج، ومصافي البترول في المدن الساحلية والموانئ وغرق عشرات السفن والناقلات في الموانئ والممرات المائية. كما شهدت الحرب استخداما واسع النطاق للأسلحة الكيميائية وغازات الأعصاب مثل غاز الخردل، والساريد، واليوبان، التي أودت بحياة الآلاف من العسكريين والمدنيين.

كانت مطالب العراق حينها لإيقاف الحرب على إيران تتمركز حول 3 نقاط رئيسية، وهي الاعتراف بسيادة العراق على التراب الوطني ومياهه النهرية والبحرية، وإنهاء الاحتلال الفارسي لجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في الخليج العربي، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق.


 سجل أسود

كانت دول مجلس التعاون الخليجي، أكثر الأطراف تضررا من الحرب الإيرانية العراقية وذلك، لقربها من أماكن النزاع، ولتداخل المصالح المشتركة في الخليج، إذ إن الأضرار المادية أثرت بشدة في اقتصادات هذه الدول، سواء من جراء حرب الناقلات، أو كميات النفط الزائدة التي تعرضها العراق وإيران في السوق الدولية لتغطية نفقات الحرب، والتي أثرت في أسعاره سلبا على الأسواق العالمية.

 كما قصفت إيران الأراضي الكويتية بالقصف الصاروخي والمدفعي، وكذلك السفن الخليجية والمنشآت النفطية في الخليج، وقامت إيران في عام 1987 بتشجيع بعض المتطرفين على خطف طائرة ركاب كويتية، وأطلقتهم بعد هبوطهم في مطار مشهد الإيراني. في حين شنت هجوما بالزوارق ضد سفن إماراتية وبعض المنشآت النفطية في الإمارات، وحرضت إيران ومازالت تحرض الطائفة الشيعية في كل من البحرين والكويت، على إثارة الشغب وتفجير المنشآت الحيوية، وهاجمت السفن السعودية في مياه الخليج، وأثارت شغبا في موسم الحج عام 1987.


حائط الصد الخليجي

قامت المملكة العربية السعودية بمحاولة جمع دول الخليج العربية في مشروع جماعي مشترك، واحتضنت مؤتمر القمة الإسلامية في الطائف عام 1981، وعقدت مؤتمر وزراء خارجية الدول الخليجية الست في الرياض في الأسبوع الثاني من فبراير 1981، لصيانة منطقة الخليج من أي تدخل خارجي، الأمر الذي أسفر عنه تشكيل مجلس التعاون الخليجي، الذي كان له الأثر البالغ في حماية أمن الخليج من التهديد السوفييتي حينها، ومن بطش النظام الإيراني والسيطرة العراقية.

وفي أكتوبر 1987، أصدر المجلس بيانا حذر فيه إيران من مغبة اعتداءاتها على دول الخليج العربية، ولوح باحتمالات فرض مقاطعة عربية جماعية، إلا أن طهران كانت تتمادى في التعرض لتلك الدول وتضر بأمنها وتصعد من أعمالها الحربية والسياسية ضدها.


سياسة خبيثة

أبان المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية في القاهرة، أن السياسة التي تتبناها إيران في التعامل مع أزمات المنطقة، لها تداعيات عديدة أهمها تراجع شعبيتها لدى الرأى العام العربي، حيث لم يستطع الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي ينتمي إلى التيار المعتدل، الالتزام بوعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية عام 2013، والتي تضمنت تحسين العلاقات مع دول الجوار، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، لافتا إلى أن إيران منحت الأولوية فقط للوصول إلى الاتفاق النووي مع مجموعة "5+1"، لكنها استمرت في سياسة التدخلات السافرة في الشؤون الداخلية لدول الجوار، ودعمها لحلفائها الإقليميين في المنطقة حتى بعد إبرام تلك الصفقة، كما أن الدور الإيراني في المنطقة بات يشكل هاجسا حتى لدى المواطن العربي، الذي بات يعتبر أن إيران تمثل مصدرا للخطر في المنطقة.


مؤشرات مثبتة

أوضح المؤشر العربي لعام 2015، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نهاية 2015، والذي أجرى في 12 دولة عربية على عينة بلغت 20 ألف شخص، أن النظرة السلبية والعدائية لإيران في الدول العربية تتصاعد بشكل ملحوظ، حيث أوضحت نتائج المؤشر  أن 62 % من المستطلعة آراؤهم  التي شملها المؤشر يعتبرون السياسات الإيرانية سلبية، مقابل 28 % قالو أنها إيجابية.

وعند مقارنة هذه النتائج مع نتائج عام 2014، يتضح أن هناك ارتفاعا بنسبة 10 %، حيث سجلت نسبة من ينظرون إلي إيران بشكل سلبي 52 %، في حين ظلت نسبة من قيموا السياسات الإيرانية بشكل إيجابي عند نسبة 28 % المسجلة عام 2015.