سأبدأ بهذا السؤال: هل هناك علاقة لفظية بين الكُره (بتسكين الراء) والكُرَة (بفتح الراء)؟ أعلم بأن الكثير من محبي رياضة كرة القدم لم يعجبهم هذا السؤال؟ لكن التحوّل الذي حدث مع كرة القدم وإخراجها عن مضمونها الإنساني النبيل إلى مشاحنات وتعصبات مجنونة هو الذي جعلني أضع هذا الاستدلال حتى لو لم يعجبني أنا شخصيا!

في الأيام الأخيرة ضجت الساحة الرياضية على خلفية الكشف عن نتائج عمل فريق توثيق البطولات السعودية، حتى قبل صدور النتائج، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالتغريدات النارية بين الجماهير الهلالية والنصراوية والأهلاوية والاتحادية وغيرها، وتم إصدار البيانات من بعض الفرق منددة ومشككة بالإجراءات المتبعة في حصر البطولات. أجمل ما في هذه الأخبار هو أن الهيئة العامة للرياضة أصدرت توجيها بتأجيل المؤتمر الصحفي الخاص بلجنة توثيق البطولات إلى وقت لاحق، نظرا لمشاركة المنتخب السعودي في التصفيات النهائية لكأس العالم، وكما تلاحظون فإن التعصب الرياضي جعل كل مشجع يدافع من أجل وضع فريقة الأول في تحقيق البطولات.

نعم توثيق وتدوين البطولات المحلية للأندية والاستعانة بالأرشيف الموثق والدقيق أمر مهم ولكن مواجهة التعصب الرياضي في الساحة الرياضية هو الأهم، فنحن نتحدث عن داء قاتل حاضر بقوه في ملاعبنا السعودية، عن ثقافة تعصبية داخل وخارج المستطيل الأخضر عكست منظرا غير حضاري لهذه اللعبة، فعن أي توثيق نتحدث في ظل هذه البيئة الرياضية المحتقنة؟ وسؤالي هنا للمسؤولين في الرياضة السعودية واتحاد الكرة: ما هي الإجراءات الصارمة المتبعة لمواجهة التعصب الرياضي؟ هل هناك لجنة خاصة لمواجهة التعصب؟ هل هناك عقوبات رادعة؟ هل هناك جمعيات مؤسسية تكافح العنصرية والتعصب؟ هل هناك أنشطة منهجية ولا منهجية تم اعتمادها في المدارس والجامعات؟ هل هناك جوائز تحفيزية للجماهير واللاعبين والمسؤولين تحت مسمى (جوائز نبذ التعصب الرياضي في الكرة السعودية)؟.

إن المتابع لإرهاصات توثيق بطولات الأندية في الفترة الأخيرة يلمس تصاعد الحساسيات الجماهيرية على مستوى الجمهور وكذلك الإعلاميين وحتى على مستوى تصريحات بعض رؤساء الأندية. ومن هنا لا بد من الوقوف على طبيعة هذه الظاهرة السلبية وكشف مسبباتها ومن ثم اقتراح أنسب الحلول لمعالجتها بالشكل الذي يجعل بطولاتنا الرياضية وسيلة للتواصل والتعارف والتعاون وتعزيز قيم المحبة والأخوة والتسامح. المشكلة في رأينا، أننا لم نراع القيم الإنسانية في الرياضة، وربما قد تعلمنا شيئا من الأمور الفنية الخاصة بلعبة كرة القدم، وكذلك التعليق والتحليل وأرشفة البطولات، لكننا لم نعرف بعد فلسفة الرياضة ورسالتها الإنسانية العظيمة، ولذلك أرى بأننا انغمسنا في تفاصيل الأحداث الرياضية دون تأطيرها بثقافة رياضية تعكس مرجعياتها الفلسفية والأخلاقية التي انطلقت منها، وهذا هو الأهم والأخطر، لأن المستديرة الساحرة وبهذه الطريقة تستخدم سلاح الجمال لإشاعة التعصب!

أتمنى تأجيل نتائج لجنة توثيق بطولات الأندية، ليس فقط بسبب أن المنتخب السعودي يخوض مباريات مهمة في تصفيات كأس العالم، بل أتمنى التأجيل حتى إشعار آخر.