يصنف الناس كتاب المقالات الصحفية وأصحاب الرأي بين صنفين اثنين، وغالبا ينحصر ذلك التصنيف والتوصيف بين (منافق- حاقد) وفي مرات قل أن نراها نبحث دائما عن وصف "المحايد"، وهذا الوصف لا يتأتى إلا من طبقة أو صنف من الناس يمتلكون النضج الفكري، والوعي المجتمعي، الذي لا يترسخ في وسط المجتمعات الحديثة بسهولة، كما قد يظن البعض، بل إن ذلك يتأتى على مدى سنوات طوال، وعوامل مختلفة يكتسبها الفرد من العادات والتقاليد، في طليعتها القراءة والمطالعة لمختلف الكتاب والقراءة، والبحث في ثقافات الشعوب والبلدان المختلفة، وهذا أصبح من النادر أن نراه في مجتمعاتنا الحالية، وبعض شبابنا الذي أضحى جل همه مطاردة البوكيمونات عبر الهاتف.

المنافق أو "المطبلاتي" على رأي الأشقاء في مصر "هو ذلك الشخص الذي يجيد العزف على مختلف الأوتار، وكافة المقامات لدغدغة مشاعر المسؤول أو المدير أو الحاكم"، فنجد أن أغلب الكلمات التي يرددها أمام مرؤوسيه في داخل وخارج العمل (نعم، ممتاز، عظيم) إلخ... من أدوات النفاق والمجاملة، وقل ما تجد لأدوات الرفض موطئا في حديثه.

غير بعيد عن ذلك فقد تحدثت كثيرا في موضوع الإصلاحات التي تبنتها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله وسدد للخير خطاه، خلال الأيام القليلة الماضية، وقبيل أن يتم الإعلان عن بعض تلك الإصلاحات، وعدد من التخفيضات على بعض الحوافز والبدلات التي تمس شريحة كبرى من المواطنين رسميا.

أسهب العديد من كتاب الرأي من زملاء الحرف في الحديث عن تلك الإصلاحات والتخفيضات وإلغاء عدد من الحوافز، وأدلى كل بدلوه في هذا الموضوع، ووقع عدد منهم في التوصيف الدارج (المنافق) أو (الحاقد)، وحتى لا نكون بين هذه الثنائية يجب علينا أن نتطرق للموضوع بشمولية أكبر، وأن نعلم ظروف الدولة الحالية والخطر المحيط بها، وضرورة التعامل معه بحزم ومن نافلة القول أولا الحديث عن أن الإصلاحات الاقتصادية السابقة والقادمة ضرورة ملحة وواجب وطني، يجب أن تسهم فيها كافة أطياف وشرائح المجتمع، للضرورة التي أوجبتها الظروف الراهنة التي نمر بها، وفي طليعتها الانخفاض المهول في أسعار النفط عالميا، وهو ما أضر بكبريات المؤسسات الاقتصادية حول العالم في معظم الدول، إضافة إلى التحديات الأمنية التي نواجهها على الحد الجنوبي للوطن.

فالحقيقة الثابتة تقول إنه لولا اندلاع عاصفة الحزم لكان الوطن في ركنه الجنوبي عرضة لخطر الأحقاد الفارسية والمطامع التي سخرت لها إيران ميليشياتها المتمثلة بجماعات الحوثي، والجميع يدرك مدى المؤامرة والحقد الذي تكنه دولة فارس للمملكة وشعبها، وحتى مقدساتها لم تسلم من الأذى، وتابعنا معا الحملة الشرسة التي أطلقها خامنئي، ومختلف مسؤوليهم خلال موسم الحج الذي انتهى بكل أمن وأمان بفضل من الله أولا، ثم بجهود الرجال المخلصين الذين ما فتئوا يبذلون الجهود لخدمة حجاج بيت الله العظيم.

وعلى الرغم مما سبق إلا أنه يجب البحث عن بدائل مناسبة وحلول ومعالجات سريعة، وسبق أن أشرت إلى ضرورة فرض ضرائب على التحويلات المالية الضخمة التي تصدر من داخل المملكة إلى الخارج، والتي تشكل رقما كبيرا لا يستهان به، ولن يكون لذلك القرار تأثير مباشر على المواطن بأي شكل من الأشكال.

التحولات الاقتصادية التي أعلنتها المملكة، والتحديات التي سترافقها مستقبلا تستلزمان فرض دور "إجباري" على المؤسسات الخدمية الكبرى، ورجال المال والأعمال، والمؤسسات الخاصة وكبريات الشركات والبنوك التي لن يصيبها ضرر في حال فرض ضرائب على مداخيلها الكبيرة، على عكس المواطن الميسور الحال، ومحدود الدخل، الذي أصبح جل ما يشغله التفكير في قادم الأيام، وما ستحمله من إصلاحات متتابعة يتمنى ألا يكون هو الأول في تحملها.

فأي مستثمر خارجي أو رجل أعمال أو خلافه تزيد أرباحه عن 50 مليون ريال، أعتقد بضرورة وجوب مساهمته مع المواطن في تحمل أعباء ومستلزمات المرحلة الصعبة التي نمر بها في الوقت الحاضر، كما أن أصحاب الأرباح الكبيرة لن يستغنوا عن تجارتهم التي تدر عليهم أرباحا طائلة من أجل فقدان 10% منها.

ختاما، أدعو الجميع للتمسك باللحمة الوطنية ووحدة الصف الداخلي، وأن يحفظ الله لنا الأمن والأمان، ويحفظ لنا ملكنا المحبوب سلمان، وأن يوفقه وحكومته لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، وآمل عليهم مواصلة جهودهم الحثيثة لإنجاح التحول وصد المخاطر، وتوسيع أفقهم على المقترحات الصادقة من الداخل، وعدم الاكتفاء بخبراء الخارج.