كانت المنطقة والعالم في سلام مع إيران حتى وصول الملالي إلى السلطة، عندما اختطفوا الثورة الشعبية، ووظفوا أيديولوجية ترتكز على إشعال نيران الحروب الدينية والمذهبية، والقتل على الانتماء العرقي والهوية الدينية عبر الميليشيات والمرتزقة، لإنجاح مشروعها الذي يتمحور حول تصدير الثورة الطائفية.

بعبارة أكثر وضوحا، لقد زرع نظام ولاية الفقيه بذرة الإرهاب والطائفية في المنطقة، وأخذت إيران الحديثة على عاتقها نشر الفوضى في المنطقة، فأسست ما يسمى المراكز الثقافية التابعة للحرس الثوري في كثير من الدول، منها: السودان ونيجيريا وسورية ولبنان واليمن وجزر القمر، وكانت مهمة هذه المراكز زرع الخلايا الإرهابية، ونشر أيديولوجيا ولاية الفقيه، كما استهدف الإرهاب الإيراني البعثات الدبلوماسية داخل إيران وخارجها.

نعم، إن من يتمعن جيدا في تاريخ إيران بعد الثورة، ويقلب صفحاته السوداء سيجد أن نظام ولاية الفقيه لا يستطيع مطلقا التعايش مع الآخر، ويجد أن استمرار شرعيته يتمحور حول تصدير مشكلاته إلى الخارج، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتمويل الإرهاب في تلك الدول.

قد يتساءل البعض عن دوافع هذه السياسة أو ربما الإستراتيجية العدائية التي ينتهجها النظام الإيراني. نزعم أن الدول العربية والخليجية تحديدا، وبحكم التقارب الجغرافي، تفهم حقيقة وطبيعة النظام الإيراني أكثر من غيرها. باختصار شديد، يعلم النظام الحاكم في طهران أن السبيل الوحيد لبقائه يتمثل في الهروب من مطالبات الشعب الإيراني والأقليات العرقية والدينية في البلاد نحو الخارج، أو ما يمكن تسميته بالهروب إلى الأمام، وإشغال الشعب الإيراني عن قضيته الأساسية التي تضع شرعية النظام وكفاءته على المحك، بعد أن اختطف الثورة الشعبية وقام بأدلجتها وخلق نظام ثيوقراطي تم تأسيسه وفق نسخة ضيقة من فهم الدين الإسلامي، لتتحول إيران إلى دولة طائفية بنص الدستور في مادته رقم 12، لتؤسس لحقبة تاريخية في المنطقة، تعتمد على إثارة النعرات المذهبية، وممارسة الإرهاب ودعمه، عبر أذرع الحرس الثوري داخل إيران وخارجها. انظروا إلى الوضع المعيشي للشعوب البلوشية والكردية والعربية في الداخل الإيراني، وكيف يمارس نظام الفقيه في حقها أقسى مراحل الاضطهاد والتنكيل السياسي والاقتصادي والعرقي والمذهبي.

تتبعوا حالات الإعدام والتعذيب في السجون الإيرانية ضد الأقليات الدينية من البهائية والسنة والمسيحية، ثم قارنوا ذلك بإيران ما قبل الثورة لتدركوا المعاناة التي تعيشها شرائح كبيرة من المجتمع الإيراني بعد الثورة.

لن يجدي عزف طهران على المظلومية والظهور بمظهر البريء نفعا، فالدلائل والبراهين على الأرض تغني عن الشكوك.

لقد أسهم هذا النظام في قتل عشرات الآلاف من الأبرياء في سورية والعراق ولبنان واليمن، بل وحتى داخل حدوده، وأرسل عناصر الحرس الثوري للقتال في سورية والعراق، ويعترف بذلك صراحة.

وعلى مستوى الترابط والتناغم بين الجماعات الإرهابية والنظام الإيراني، احتضنت إيران قيادات تنظيم القاعدة وعناصرها، وقدمت لهم كل التسهيلات الضرورية، وساعدتهم في ضرب المصالح الغربية والعربية.

فعلى سبيل المثال، استضافت طهران عددا من القياديين في تنظيم القاعدة، من بينهم: أبو حفص الموريتاني، سيف العدل، سليمان أبو غيث، أبو الليث الليبي، أبو الخير المصري وآخرون، وكذلك استضافت إيران بعض أفراد أسرة أسامة بن لادن، وما تزال حتى اللحظة تحتضن كثيرا من قيادات القاعدة المطلوبين للعدالة الدولية.

يدين السيد جواد ظريف في مقاله الأخير في صحيفة النيويورك تايمز، عملَ جماعة إرهابية مثل جبهة النصرة، بإعدام عدد من الأطفال، وهذه مبادرة جيدة نؤيده فيها ونؤكد على إدانتها، ولكنه تجاهل حقيقة أقرب إليه من سورية وداخل حدود بلاده وبأوامر من حكومة وليس جماعة إرهابية.

إن ذلك هو تصدر بلاده قائمة أكثر الدول إعداما للأطفال في العالم لعام 2016، وما يزال هناك أكثر من 160 طفلا يقبعون حاليا في السجون الإيرانية بانتظار تنفيذ حكم الإعدام فيهم، وفقا لتقرير "امنيستي" مطلع العام الحالي.

إن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يتحدث وزير الخارجية الإيراني عن الإعدامات وبلاده تحتل المركز الثاني عالميا من حيث عدد حالات الإعدام سنويا، والأولى من حيث عدد حالات الإعدام نسبة إلى عدد السكان.

في هذا الصدد، لقد تفوقت حكومة حسن روحاني التي توصف بـ"المعتدلة" على حكومة أحمدي نجاد التي كانت توصف بـ"الأصولية"، وبالتالي لم نعد نفهم أيهما يقدم الصورة الحقيقية للنظام الإيراني!

وفي ظل كثير من هذه الحقائق نجد المسؤولين الإيرانيين يوجهون التهم إلى دول أخرى، ويقدمون أنفسهم أبرياء يتم التجني عليهم وظلمهم، بل ويقدمون النصائح وخطب الوعظ للآخرين، فكيف ذلك وفاقد الشيء لا يعطيه.

من المؤكد أن اتهام إيران للمملكة بدعم الإرهاب لا يصمد كثيرا أمام الحقائق على الأرض، فالمملكة من أولى الدول التي اكتوت بناره، ومن أولى الدول التي عملت على محاربته وتجفيف منابعه.

إن جهود المملكة في مكافحة الإرهاب يدركها العالم أجمع ما عدا إيران التي تُعرّف الإرهاب بشكل مختلف تماما عن العالم، فالإرهاب بالنسبة لطهران هو الجهود التي تتصدى للعبث الإيراني في المنطقة والعالم.

لقد دعّمت السعودية المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، والمركز الدولي لمكافحة الإرهاب النووي، وتشارك في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وأسست التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب ويضم 37 دولة إسلامية، وتبرعت بعشرات المليارات من الدولارات للأمم المتحدة لدعم جهودها في هذا الجانب، وتعاونت مع الأجهزة الأمنية حول العالم للتصدي للعمليات الإرهابية وإحباطها، فهل يخبرنا السيد ظريف هل شكّل إرهاب القاعدة و"داعش" ومثيلاتهما خطرا على إيران، ثم ماذا قدمت بلاده غير التصريحات الإعلامية؟ بالطبع لا شيء!.

تستطيع طهران أن تكون جزءا من الجهود الدولية القائمة، وتنضم إلى بقية دول العالم في جهودها لمكافحة الإرهاب، ولكن من خلال الأفعال وليس الأقوال والتصريحات، من خلال إيقاف تمويل الميليشيات والمرتزقة، من خلال تسليم قيادات القاعدة التي تستضيفهم على أراضيها، وإيقاف النفخ في الصراعات المذهبية والدينية، ومن خلال الاندماج مع العالم والتحول من ثورة طائفية إلى دولة طبيعية، وأن تتخلى عن لعبة تبادل الأدوار بين مكونات النظام التي تنتمي في نهاية المطاف إلى نسخة واحدة، وضع أسسها الخميني، ومن بعده الخامنئي، فهل تستطيع طهران فعل ذلك؟

وختاما، تؤكد دول المنطقة على الرغبة في التعايش السلمي واحترام حسن الجوار مع إيران، إلا أنها لن تقف صامتة تجاه التجاوزات الإيرانية، كما أن تغاضي العالم عن العبث الإيراني في المنطقة، وإشعال الحروب وتمويلها، سيكلفنا جميعا ثمنا باهظا ما لم تتكاتف الجهود الدولية لمواجهة جشع الملالي تجاه إزهاق الدماء وقتل الأبرياء على الهوية، والتخلي عن تأسيس الجيوش والميليشيات الطائفية في المنطقة، وإشعالها، مما قد يقود إلى عواقب وخيمة ليست على دول المنطقة فحسب، بل على المجتمع الدولي برمته.

كل ذلك يحتاج إلى استشعار خطر الإرهاب والطائفية المدعومة من النظام الإيراني، ولا سبيل إلى ذلك إلا من خلال اقتلاع بذرة الشر هذه.