للرياضة سحرها وتأثيرها القوي والفعال الذي يتجاوز في مداه الكثير من الحلول والمعالجات السياسية والكتابات التأطيرية في حب الوطن والوفاء له، هذا ما شاهدته في مدرجات ملعب الجوهرة في مباراة منتخبنا الوطني أمام شقيقه الإماراتي ضمن التصفيات المؤهلة لمونديال روسيا 2018.

وبعيدا عن الأداء الرائع لنجوم الأخضر كانت هنالك لوحات وطنية عكست حب الجمهور الرياضي لتربة هذا الوطن المعطاء، فتوحد الجميع تحت راية واحدة، وهتفوا بصوت واحد لهذا الوطن الذي يستحق منا الكثير والكثير في ظل الظروف التي نعيشها الآن والتحولات الكبيرة التي صاحبتها تحديات اقتصادية كبيرة تحتاج منا جميعا الالتفاف حولها تماما كما صنعنا مع نجوم منتخبنا الوطني في مدرجات الملعب.

في ذات المدرجات توحدت الألوان وذابت الشعارات، وصدرت لنا مدرجات الجوهرة هدير الأمواج القوية التي هتفت كلنا وطن، وهذا في حد ذاته هو الانتصار الأكبر والهدف الأسمى للرياضة التي ترتبط ارتباطا كليا بحياة الشعوب ويومياتهم العابرة.

متى ما وجد الإنجاز وجدت اللحمة الوطنية، وهب الجميع لتلبية نداء الواجب الذي لا يقل في أهميته عن بقية الأدوار التي يقوم بها الجميع في مختلف الجهات، سواء أكانت الجهات الميدانية للقتال لجنودنا البواسل أو المدرجات الرياضية للأوفياء للوطن.

ولأن الشيء بالشيء يذكر فلا بد لنا من الإشادة بالرعاية الكبيرة التي تحظى بها رياضتنا من قبل القيادة الحكيمة في الوطن، والدعم اللامحدود الذي تقدمه حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لكافة الأطر والمؤسسات الرياضية، بما من شأنه تحقيق الإنجازات الرياضية التي تتوق لها الجماهير في مختلف أرجاء الوطن.

كان راعي الرياضة الأول أول الحاضرين في المدرجات مشجعا ومساندا ومؤازرا لمنتخبنا الوطني، وأعني الأمير عبدالله بن مساعد رئيس الهيئة العامة للرياضة، ومع كل هجمة أجده يقف من مكانه متحمسا، مثله مثل كل الجماهير التي ملأت جنبات الملعب.

ولعل حرص سموه على الحضور للملعب مباشرة قادما من جمهورية تركيا لمساندة أبنائه اللاعبين وتحفيزهم قبيل مباراة أستراليا يعكس مدى الأهمية التي تكتسيها الرياضة لدى قادتنا ومسؤولينا، إضافة إلى حضور قيادات الاتحاد السعودي لكرة القدم في المنصة وتفاعلهم الكبير مع كل هدف ملعوب لنجوم منتخبنا الوطني.

الرياضة تبقى دائما رسالة السلام التي تعمق أواصر المحبة وتعزز من قيم الولاء لاسيما إذا كانت مرتبطة بالنتائج الجيدة التي تجعل الجماهير الرياضية بعيدة كل البعد عن التعصب الجماهيري الذي يعد آفة العصر حاليا، وتبعاته الكبيرة التي تلقي بظلالها على اللحمة الوطنية بسبب الولاءات المختلفة والمتعددة.

إذا كانت الأزمات والحروب تظهر لحمة هذا الوطن جليا، وتدحض الأعداء وتكيدهم، فإنه يجب مضاعفة الاهتمام والدعم الحكومي للرياضة لأنها ثاني أهم الأسباب التي تظهر لحمة أبناء الشعب وتقربهم وتتجاوز المسافات، فانتصارا الوطن تجمع كل أطياف المجتمع ومكوناته، وتوحدهم خلف راية لا إله إلا الله بعيدا عن اختلافاتهم الفكرية والثقافية والمذهبية، وهي التي تجمع كبير السن والطفل والشاب باختلافاتهم المتعددة، وترسم ابتسامة واحدة، عنوانها حب الوطن، وتزيد من تلاحمهم خلف بلدهم وقادتهم، وتنمي دون شك حبهم لوطنهم المعطاء، وهذه النظرة التي يجب على القادة والمسيرين أن ينظروا إلى الرياضة من خلاها.

وبالعودة لانتصارات الأخضر، فلا شك أن الجمهور الرياضي ينتظر الكثير والكثير من نجوم الأخضر في مواصلة سلسلة النجاحات وتحقيق الحلم بالعودة المونديالية للمرة الخامسة على التوالي، وإلى جانب تلك الفرحة الجماهيرية فإن فرحتنا تزداد بتلك الجمل الرائعة واللوحات الوفية التي ترسمها الجماهير في الملعب، إضافة إلى روح الأخوة الكبيرة التي شهدتها المباراة والاستقبال الحفي لا شقائنا أبناء زايد بعيدا عن حسابات الربح والخسارة لتؤكد الجماهير مجددا أن الرياضة هي وسيلة التواصل الأخوي بين الأشقاء في الخليج الواحد.

مزيدا من الفرح ننتظره في قادم الأيام، ومزيدا من العطاءات نترقبه من الجماهير الرياضية للالتفاف حول منتخبنا الوطني في بقية مواجهاته التي لا تقل أهمية عن تلك التي خضناها، ووسط كل تلك الأفراح ننتظر الأخبار السعيدة بتأهل قادم إلى مونديال الكرة العالمي لتكتمل فرحة الوطن وفرحة جماهيره الوفية التي سطرت أروع الملاحم الوطنية الرياضية.