فيما حددت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" 19 سببا للفساد في المشروعات الحكومية، من أبرزها الواسطة والمحسوبية، وغياب التخطيط، وعدم وضوح الرؤية أثناء مرحلة الدراسات والتصميم، كشف استطلاع أجرته "الوطن" ميدانيا وعبر الإيميل ووسائل التواصل الاجتماعي، أن الفساد يتصدر أسباب تعثر المشاريع الحكومية بنسبة 43%، تلاه ضعف الرقابة في المرتبة الثانية بنسبة 21%، فيما حل تواضع إمكانات المقاولين ثالثا بنسبة 14%. كما حدد المختصون 17 سببا لتعثر المشاريع الحكومية. وكانت "الوطن" قد نشرت خلال الفترة الماضية ثلاثة تقارير إحصائية عن تفاقم ظاهرة تعثر المشاريع الحكومية في المملكة، كشفت في سياقها عن وجود نحو 1300 مشروع متعثر أو متأخر أو متوقف في 3 مناطق فقط، وذلك كمثال على وضع المشاريع الحكومية، بواقع 777 مشروعا في منطقة الرياض، و881 مشروعا في الشرقية، و641 مشروعا المدينة المنورة.


خطر تفاقم المتعثرة


استكمالا للتقارير الإحصائية السابقة، استطلعت "الوطن" آراء المختصين والمواطنين حول أسباب تعثر المشاريع، والحلول الممكنة لمعالجتها، إذ حذر خبراء في قطاع البناء والتشييد من خطورة تفاقم ظاهرة تعثر المشاريع الحكومية على الاقتصاد السعودي، مؤكدين أن المشاريع المتعثرة ستهدد رؤية المملكة 2030، ما لم يتم معالجتها بشكل سريع، فيما تصدر الفساد أسباب تعثر المشاريع من وجهة نظر المواطنين في استطلاع رأي أجرته الصحيفة.


المشاريع المتعثرة تهدد الاقتصاد


شدد عضو اللجنة العقارية بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض، عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتور عبدالله المغلوث، على أن استمرار تعثر المشاريع الحكومية يشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد السعودي عموما، وقطاع المقاولات بشكل خاص، معتبرا أنه توجد أسباب متعددة لتعثر المشاريع، من أبرزها توقف الإنفاق الحكومي، وقلة الأيدي العاملة، وضعف المتابعة والإشراف على تنفيذ المشاريع، والفساد، الذي سوف يظل ينخر في الجهات الحكومية وشركات المقاولات، ما لم تكن هناك جهة مستقلة غير الجهة المانحة للمشروع، تتولى الرقابة على تنفيذ المشاريع.


تأخر صرف المستحقات


أضاف المغلوث أن من بين أسباب تعثر المشاريع أيضا عدم وجود مركز فني ومالي للمقاولين، وكذلك تأخر تسليم المستخلصات الحكومية للمقاولين، مما يتسبب في عجز المقاولين عن دفع الرواتب ومستحقات العاملين، وذلك يؤدي إلى توقف المشاريع، مؤكدا أن ذلك حدث في عدد كبير من مشاريع الدولة، إضافة إلى ضعف إمكانات المقاولين، مرجعا ذلك إلى أن الوكالة المعنية بتصنيف المقاولين في وزارة الشؤون البلدية والقروية، لا تقوم  بدورها، مطالبا إياها بالتأكد من المركز المالي والفني والخبرة للمقاول قبل منحه التراخيص.

ولفت المغلوث إلى وجود سبب آخر مهم لتعثر المشاريع، وهو جلب بعض مؤسسات وشركات المقاولات مهندسين أجانب غير أكفاء حديثي التخرج، ليس لهم إلمام وخبرة بتنفيذ المشاريع.


إحجام البنوك


اتهم المغلوث البنوك التجارية السعودية بالإحجام عن تمويل مشاريع المقاولات، ووضع اشتراطات كثيرة منفرة للمقاولين، في وقت يتوجب عليها تقديم التمويل المناسب للمقاولين لمساعدتهم على مواصلة العمل في المشاريع المسندة إليهم، بضمان تحويل المستخلص لدى وزارة المالية للبنوك مباشرة. واقترح المغلوث إنشاء بنك يطلق عليه مسمى "بنك المقاولين"، مشيرا إلى وجود أمثلة مشابهة في عدد من الدول مثل ماليزيا ومصر وغيرهما، على أن يكون دور بنك المقاولين تقديم التمويل المناسب للمقاولين بفوائد معقولة، وبضمان المستخلصات المالية للمقاول لدى وزارة المالية، لتشجيع ودعم المقاولين وحتى يكون لدينا شركات مقاولات سعودية عملاقة.


وزارة العمل وراء التعثر


اعتبر المغلوث أنه من أهم أسباب تعثر المشاريع أيضا آليات وإجراءات السعودة، التي تطرحها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية من وقت لآخر، وشح التأشيرات التي تمنحها الوزارة للمقاولين، وعدم إعطائها أهمية للتأييد الذي تقدمه الجهة الحكومية المالكة للمشروع للمقاول، لاستخراج التأشيرات اللازمة لتنفيذ المشروع.


تأخر تسليم المواقع


عدّ المغلوث تأخر الجهات الحكومية في تسليم مواقع المشاريع للمقاولين من بين أسباب التعثر، وذلك يعود لعدة أسباب، منها عدم اكتمال المخططات، أو نشوب نزاع بين الجهات الحكومية المالكة للمشاريع وجهات أخرى أو مع مواطنين على مواقع بعض المشاريع، فيصبح المقاول المرسى عليه المشروع في موقع المتفرج، حيث لا يتمكن من العمل على المشروع لحين حل النزاع، ويتحمل جراء ذلك خسائر وغرامات بدون ذنب. وطالب الجهات الحكومية بتحري الدقة والتأكد من عدم وجود خلافات أو نزاعات أو معوقات تحول دون تنفيذ المقاول للمشروع.


نظام عقيم


اختتم المغلوث حديثه بالإشارة إلى نظام ترسية المشاريع الحكومية المعمول به، ووصفه بأنه نظام قديم وعقيم أقر قبل أكثر من 30 سنة، حيث أصبحت الإجراءات بيروقراطية تضعف المقاول ولا تساعده، إضافة إلى عدم تطبيق نظام "فيدك"، مؤكدا أن هناك حاجة ماسة لتطبيق هذا النظام، الذي يساهم في الحد من النزاعات وحفظ حقوق المقاولين، ويعطي كل ذي حق حقه.


المتعثرات تهدد رؤية 2030


حذر رئيس هيئة المهندسين السعوديين السابق المهندس حمد الشقاوي في تصريح إلى "الوطن" من خطورة تفاقم ظاهرة تعثر المشاريع الحكومية على رؤية المملكة 2030، مشددا على أنه  في حال أردنا أن يكون قطاع المقاولات والإنشاءات أحد الروافد المهمة لنجاح الرؤية، فيجب أن تكون هناك حلول عاجلة لتعثر المشاريع.

واعتبر الشقاوي أن أهم سبب في تعثر المشاريع الحكومية، هو عدم وجود معايير، وأول تلك المعايير المفقودة "كود البناء"، الذي يتم على أساسه تقييم جميع مراحل المشروع بداية من التصاميم وصولا إلى مرحلة التسليم، إضافة إلى وجود خلل في مستندات المشاريع مثل الرسومات والمواصفات والكميات والمقاييس، وعدم اكتمال المخططات.


تطبيق كود البناء




شدد الشقاوي على أن أهم الحلول لتلافي تعثر المشاريع، هو التطبيق الفوري لكود البناء، الذي أقر قبل 10 سنوات في عام 1428، ولم يتم تطبيقه فعليا على أرض الواقع حتى اليوم، إضافة إلى تطبيق نظام مزاولة المهنة، الذي تسبب عدم تفعيل تطبيقه في أن أصبح العاملون في قطاع المقاولين أقل كفاءة بكثير من المطلوب، إضافة لتطبيق التأمين المهني على العاملين في هذا القطاع، وتفعيل تطبيق الاعتماد المهني في هيئة المهندسين، واشتراطاتها وامتحاناتها بالشكل الصحيح الذي وضعت من أجله.


نشوب الخلافات




لفت الشقاوي إلى أن ما يتسبب في تعثر المشاريع هو نشوب خلافات بين ثلاثة أطراف هي "المالك، والاستشاري، والمقاول"، على مستندات واشتراطات تنفيذ المشاريع، حيث يتم إجراء تعديلات وإضافات غير المتفق عليها سلفا، كون مستندات المشاريع تكون ناقصة في العقود، معتبرا أن حل هذه المشكلة يكمن في تطبيق كود البناء بشكل صحيح، كما اعتبر الشقاوي أن الهندسة مطبقة بشكل جزئي في المملكة، فجميع المشاريع يتم تصميمها بشكل جزئي وليس كليا، ولا يوجد عمل هندسي ممهنج يقوم على أسس ومنهجية هندسية دولية.


نزاهة تحدد الأسباب



حددت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" 19 سببا وراء تعثر المشروعات الحكومية، من أبرزها الواسطة والمحسوبية، وغياب التخطيط، وعدم وضوح الرؤية أثناء مرحلة الدراسات والتصميم. وأشار رئيس الهيئة الدكتور خالد المحسن على هامش ندوة أقامتها الهيئة العام الماضي، إلى وقوف نزاهة منذ إنشائها على 1526 مشروعا، بلغت نسبة المتعثر والمتأخر منها 44 %، بواقع 672 مشروعا متعثرا أو متأخرا. 

وبين المحسن أن الهيئة لديها آلية للتفريق ما بين المقاول المتعثر والمقاول المتأخر، مؤكدا أنه لا يعني بالضرورة أن تأخر المشروعات ناجم عن "فساد"، وذلك لأسباب معينة منها طبيعة المشروع، وتغيرات معينة في آلية التنفيذ، لافتا إلى وجود بعض الحالات التي يطلق عليها "شبهة فساد".