ما لم تتم السيطرة المطلقة على السواحل اليمنية العارية والممتدة على أكثر من ألفي كيلومتر فإن الخطر سيظل قائما، ومحاولات استهداف مكة وما هو أبعد منها لن تتوقف، طالما والدولة في يد ميليشيات لا تعرف للحرب أصولا، وتحاول التشبث بآخر الأوراق قبل السقوط.

بحثت مليّا في هذا الموضوع، وحاولت تتبع خيوطه، ومن مصادر يمنية عسكرية موثوقة، قبل كتابة مقالة هذا الأسبوع، لأناقش هذه القضية الهامة التي أتمنى أن يتم التعامل معها بحسم من قوات التحالف العربي.

تعلم قيادة التحالف حجم القوة الصاروخية التي سيطرت عليها الميليشيات عقب اجتياح العاصمة اليمنية صنعاء، وتدرك جيدا عبر مصادرها أن معظم تلك الصواريخ من نوعية صواريخ "اسكود" روسية الصنع، وفي الغالب فإن مداها يصل إلى 400 كيلو، بيد أن الصواريخ التي استهدفت منطقة مكة تنبئ بأن هناك عملا عسكريا مخططا له بعناية من مليشيات الحوثي، وبدعم إيراني واضح لكل العمليات.

صواريخ اسكود الروسية تم تطويرها عبر خبراء إيرانيين خلال الفترة الماضية، وهم خلايا متناثرة تعمل في عدد من المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين، ومهمتها تتلخص في زيادة مدى تلك الصواريخ إلى أطول مسافة ممكنة عبر العمل على بعض التعديلات في الوقود السائل الخاص بالصواريخ.

ويبقى السؤال المهم والأكثر استغرابا: من أين حصل الانقلابيون على القطع الخاصة بالتطوير الحربي، خصوصا مع الحصار الذي تطبق به قوات التحالف على الموانئ اليمنية برا وجوا وبحرا، كما سبق أن تم الإعلان عن ذلك رسميا، وبحسب ناطق الحكومة اليمنية أن أي سفن أو ناقلات بحرية لا تحط رحالها في الموانئ التي يسيطر عليها الانقلابيين إلا عقب تفتيشها من قوات تتبع دول التحالف؟

ببساطة: إنها السواحل الطويلة والممتدة على آلاف الأميال البحرية، فعبرها تتم عملية تهريب كل ما تحتاجه الميليشيات، سواء من قطع التطوير الحربي أو من الذخيرة الحية التي تستخدمها في مختلف مناطق الصراع.

وضعت الميليشيات الحوثية نصب عينيها منذ البداية احتمالات متعددة للحرب، ولعل الجميع ما زال يتذكر تصريح الرئيس المخلوع صالح حول إطالة أمد الحرب واستعداده للقتال لـ11 عاما، حتى وإن كان الرجل يهرف بما لا يعرف إلا أن في كلامه شيئا من الحقيقة، وهي القدرة على إطالة أمد الحرب باستخدام المال المنهوب من الشعب اليمني طوال 33 سنة، ثم بالسلاح الذي توفره السواحل اليمنية المكشوفة على طول الحدود البحرية لليمن، خصوصا ناحية القرن الإفريقي.

ستظل كل الجهود بلا جدوى، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه في السواحل اليمنية، خصوصا منطقة باب المندب التي تمثل أهمية كبيرة لدول العالم أجمع وليس لدول التحالف فقط، ومع استمرار الميليشيات في نهب بقية الموارد التي بين أيديها وجبايتها للأموال من المواطنين في المناطق التي تحت سيطرتها، فإن دخول السلاح سيتواصل وسيستمر، ولن تتوارى تلك الميليشيات عن عمل أي شيء يضمن لها البقاء في الواجهة.

ما أنجزته دول التحالف بقيادة المملكة خلال أكثر من عام ونصف العام من انطلاق عاصفة الحزم، ليس بالأمر الهيّن على الإطلاق، بيد أنه يجب التنبه إلى السواحل اليمنية البحرية العارية التي تعد شريان الحياة للميليشيات، يزودها بكل ما تحتاجه لقتل أبناء اليمن، وتهديد مصالح دول الجوار، وكذلك المصالح الإقليمية في البحر، والتي لا ندري إلى متى سيظل سكوت كبريات الدول عنها.

لا تمتلك إيران جرأة المواجهة، وتظل متقزمة بأفعالها التي تشبه كثيرا أفعال المراهقين، وبالتالي فإنها لجأت إلى هذا التكتيك ودعم القوة الصاروخية للميليشيات، لعلمها المسبق أنها بعيدة كل البعد عن القدرة على مواجهة المملكة مواجهة الشجعان، دون التستر خلف جماعاتها المتناثرة في دول الجوار.

أخيرا، من نافلة القول أن نوجه الشكر لجنودنا البواسل ولقوات الدفاع الجوي التي تسهر على حماية هذا الوطن، وتترصد بكل يقظة لكل الشرور التي تأتينا برا أو جوا أو بحرا.