عند استماع وصف المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، للاقتصاد الأميركي نسمع عن واقع بديل مُروع للركود الذي بدأ نهاية عام 2007، حيث يقول إنه لا يزال مستمراً، لكن الحقيقة مختلفة جداً، فلقد بدأ الانتعاش في منتصف عام 2009، وإن لم يكن مثالياً، إلا أنه خلق وظائف بشكل مطرد ورفع معدل الأجور.

لقد تمت إضافة أكثر من 15.2 مليون وظيفة منذ مطلع عام 2010، وانخفض معدل البطالة بنسبة 4.9% مما كان عليه في أعماق ركود عام 2009. وجاء في التقرير الشهري لوزارة العمل أن متوسط الأجور بالساعة قفز بنسبة 2.8%، أي إلى 25.92 دولاراً في أكتوبر من العام الماضي، وهو يُعد أكبر زيادة منذ عام 2008.

أضف إلى هذه النتائج تقريراً صدر مؤخراً من مكتب الإحصاء يُفيد بتراجع عدد الذين يعانون من الفقر وانخفاض النسبة المئوية للأشخاص دون تأمين صحي، ويتضح ذلك تقريباً من خلال التدابير الاقتصادية التي اتخذتها البلاد وأدت إلى حال أفضل مما كان عليه من بضع سنوات.

يرفض ترامب الاعتراف بهذه الحقائق، لأنه يعتقد أن أفضل لقطة له في البيت الأبيض هي الإصرار على أن الاقتصاد في وضع مرعب، وأنه هو وحده الذي يمكن إصلاحه. وهو عندما لا تتفق البيانات مع رؤيته البائسة، يصفها بـ"بيانات زائفة". وصفت حملته التقرير الذي صدر الجمعة عن الوظائف بأنه "كارثي". ولا عجب إذ إن 370 من الاقتصاديين، بما في ذلك ثمانية من الحائزين على جائزة نوبل، وقعوا بريداً إلكترونيا يندد بــ"غموض تفكيره ونظرياته التآمرية على التقديرات الواقعية التي أعدها خيار خبراء السياسة الاقتصادية".

ليس هناك شك في أن الانتعاش الاقتصادي لم يمس كل أميركي على حد سواء، حيث إن نحو ربع العاطلين، أو نحو مليوني شخص، أصبحوا دون عمل لمدة 27 أسبوعاً أو أكثر. ولكن هناك نحو81% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و54 عاما ينتمون الآن إلى القوة العاملة، فهي نسبة تزيد عن العام الماضي، إلا أنها لا تزال أقل مما كانت عليه في أوائل عام 2007 حيث كانت 83%. وانخفض معدل الفقر إلى 13.5% مما كان عليه في العام الماضي، حيث كان 14.8%، لكنه أعلى مما كان عليه في أواخر التسعينات وفي وقت مبكر من العشرينات. وبالنسبة لكثير من الناس، لا يزال التأمين الصحي مكلفا للغاية.

يحتاج الرئيس القادم وكذلك الكونجرس إلى التركيز على أولئك الذين لم يمسهم الانتعاش. ويتعيَّن على هيلاري كلينتون، في حال فوزها، أن تزيد الاستثمارات في البنية التحتية، وتساعد على خفض عبء القروض الطلابية، وتوسيع فرص الحصول على الرعاية الصحية بأسعار معقولة.

أما الفكرة الرئيسية للسياسة العامة لدونالد ترامب فقد تكون تخفيض الضرائب على الأثرياء، وتكرار تدرجي للاقتصادات القديمة التي فشلت على الدوام. وإن خططه لفرض رسوم كبيرة على الواردات قد تؤدي إلى بدء حرب تجارية، نتيجة خسائر كبيرة، كما أن عزمه إلغاء قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة يُمكن أن يحرم ما لا يقل عن 20 مليون شخص من التأمين الصحي.

تبدو سياسات كلينتون هي الأفضل لتحقيق اقتصاد أقوى، أما سياسة ترامب فإنها لن تحقق ذلك.