منذ شرفني الإخوة في صحيفة "الوطن" الغراء بدعوتي للكتابة في صحيفتهم الموقرة وطنت نفسي على ألا أتطرق لشيء من شؤون وزارة الصحة سلبا أو إيجابا، تحاشيا للتفسيرات غير النقية التي قد أتعرض لها، لذا كنت أؤثر، قدر ما أستطيع، الصمت عن شؤون الصحة، اللهم إلا إن كانت هناك نصيحة واجبة، يمليها عليّ واجبي تجاه وطني وبنيه، لذا فنادرا ما تطرقت للشأن الصحي في هذا الفضاء الفكري الذي ألتقيكم فيه لطرح همومنا وشواغلنا، وأيضا آمالنا وأحلامنا. لكن يبدو أنني مضطر اليوم للتطرق لشأن من شؤون الصحة بوازع من الحنين إلى مكان أحبه، وشاركني الزملاء حينها فرحة ميلاده بعد جهود جبارة بذلناها معا بدعم كبير من ولي الأمر آنذاك، في واحدة من ملاحم البناء الكبيرة التي يعز على نفسي اليوم أن يكون هذا مآلها، بعدما بلغني نبأ اعتذار مركز الملك سلمان للقلب بمدينة الملك فهد الطبية عن استقبال حالات تحتاج إلى خدمات المركز. فقبل أيام اتصل علي أهالي أطفال في حاجة إلى تدخل جراحي لعلاجهم في المركز، بعد أن اعتذر لهم الإخوة هناك، يطلبون مني المساعدة، فلم أصدق ما سمعت واتصلت على الإخوة في المدينة لأتبين الأمر، فأفادوني بصدق رواية الأهالي، وبأن المركز بالفعل لديه معاناة في الكوادر التي تسربت منه للعمل في جهات أخرى.

كانت صدمتي كبيرة وأنا أصغي باستياء وحزن إلى ما آلت إليه الأمور في هذا المركز المهم الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حين كان أميرا للرياض، لعلمي بما يمتلكه هذا الصرح الكبير الذي يعد طاقة أمل كبير لحالات جراحة الأطفال للقلب، بما يزخر به من تجهيزات طبية متطورة رفيعة المستوى، ولا أبالغ على الإطلاق حين أقول إن التجهيزات الطبية المتوافرة بهذا المركز لا مثيل لها في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى طاقم من أمهر الأطباء كانوا يقودون مسيرة هذا المرجع الطبي الكبير الذي كان وجهة للمرضى وللخبرات الطبية الكبيرة التي تبحث عن مكان يليق بها على حد سواء.

كان كل شيء مثاليا ويسر الخاطر ويبهج القلب أن يكون لدينا مثل هذا المكان الراقي المكتمل الذي يفتح أبوابه لجميع فئات المواطنين ليتلقوا أعلى مستويات الرعاية الطبية. ويبقى السؤال الكبير: لماذا تركت الخبرات الطبية الكبيرة التي كان يزخر بها المركز هذا المكان؟ كيف يغلق مركز بهذه الأهمية وبهذه الإمكانات أبوابه؟ إن ما يحزنني ويقض مضجعي ليس هذا الختام الحزين لحلم ضحينا بالكثير من أجل تحقيقه بدعم كبير من خادم الحرمين الشريفين آنذاك الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، أيضا لا يقض مضجعي الأموال الطائلة التي أنفقت على هذا الصرح الطبي، وإن كان هذا كله كافيا لطرد النوم من العين، إنما ما يقض مضجعي هو مصير المريض الفقير الذي لا واسطة له ولا مال لديه، المريض الذي ما أقيم هذا الصرح بجهود لا يعلمها إلا الله إلا من أجله؛ ابتغاء للمثوبة والأجر من رب العالمين من قبلي أنا والزملاء آنذاك. 

إن لديّ يقينا عميقا بأن معالي وزير الصحة د. توفيق الربيعة لن يمر أمامه حديثي هذا مرور الكرام، وأن الرجل الذي تحمل بأمانة ووعي ودراية كل مسؤولية أسندها إليه ولاة الأمر لن يترك مركزا بهذا الأهمية يغلق في وجه أطفال بلاده، فتجربة معاليه في وزارة التجارة وما تحقق لها على يديه من نقلات غير مسبوقة مبشرة أيضا، جهود معاليه الملموسة في تطوير المنظومة الصحية في بلادنا تدعو كثيرا إلى التفاؤل. أيضا لا يساورني شك في أن زميلي د. محمود يماني المشرف العام على المدينة قادر على تطوير هذه المدينة، وهو جراح المخ والأعصاب الذي يشهد له أطباء المخ والأعصاب في العالم بمهارته، فقد استطاع بمهارته أن ينجز أعقد العمليات الجراحية، وأنا شاهد على ذلك، فالرجل مفخرة لنا جميعا، وفي ظل قيادتين كبيرتين بهذا الطراز، فالأمل منعقد عليهما -بعد الله- في حل لغز هجر الكفاءات هذا المركز الكبير، وإغلاقه في وجه الناس وهم في أمس الحاجة إليه، فأين يذهبون؟

بقي أن أقدم شكرا مستحقا في هذا المقام للإخوة الزملاء في المستشفى العسكري، وعلى رأسهم الدكتور طارق مؤمنة، فحين أغلقت الحلول في وجهي ولم أجد ما أقدمه للحالات التي اتصلت بي لم أجد أمامي سوى الاتصال بالزملاء في المستشفي العسكري لمساعدتي لخدمة هؤلاء المرضى، فما كان منهم إلا أن استجابوا في الحال ومن دون تردد، مشكورين، وهم لا يعرفونهم، ولا أنا بالمناسبة، فقط الواجب الإنساني لأطباء على مستوى رفيع من الإنسانية كان تذكرة مرور هذه الحالات إلى مرافق المستشفى العسكري لتحظى بالرعاية الطبية الفائقة المعهودة في هذا الحصن الطبي الكبير.